الثلاثاء، 3 يونيو 2014

اشكاليات الفكر السياسي السوداني


يبدو ان اشكاليات الفكر السياسي السوداني طبقاً للتمييز بين الدلالات المتعددة لمصطلح الفكر سياسي. والحديث هنا عن الفكر السياسي السوداني ككل ممثلاً في الإسهامات النظرية والتطبيقية لجملة المفكرين السياسيين السودانيين والأحزاب السياسية السودانية ككل، لا عن مفكر سياسي سوداني معين او حزب سياسي سوداني معين.
فعلى مستوى الفلسفة السياسية فان الفكر السياسي السوداني يعني المباديء السياسية (المفاهيم الكلية المجردة) التي يضعها أو يلتزم بها المفكرون السياسيون السودانيون والاحزاب السياسية السودانية، هذه المفاهيم استمدها الفكر السياسي السوداني من مصادر متعددة كالفلسفة الغربية الحديثة والمعاصرة (الليبرالية والماركسية) أو الفكر الاسلامي (المذاهب السياسية الاسلامية) أو الفكر العربي الحديث (القومية) أو الواقع الاجتماعي السوداني (القبيلة والطائفة).. واهم اشكاليات الفكر السياسي السوداني هو اتخاذ موقفي الرفض المطلق او القبول المطلق من مفاهيم والفلسفات السياسية ( نمط التفكير الاسطوري) بدلاً من اتخاذ موقف نقدي قائم علي اعتبارها اجتهاداً انسانياً يتضمن قدراً من الصواب والخطأ بالتالي اخذ الصواب ورفض الخطأ.
أما على مستوى الايدولوجيا فان الفكر السياسي السوداني يعني مجموع النظريات (المذاهب) السياسية التي تتضمن الغايات البعيدة للعمل السياسي السوداني، وأهم اشكاليات الفكر السياسي السوداني على هذا المستوى أن العمل السياسي على المستويين الاستراتيجي والتكتيكي يتعارض مع وينحرف عن النظرية بدلاً من أن يكون في خدمتها.
أما على مستوى العلوم السياسية فان الفكر السياسي السوداني يعني دراسة الظواهر السياسية التي يطرحها الواقع السوداني في زمان ومكان معينين. وأهم اشكاليات الفكر السياسي السوداني على هذا المستوى.
أن السياسة السودانية في الغالب سياسة غير علمية فلا تنتهج الأسلوب العلمي في التفكير والحركة، (بالتالي هي اقرب للأسلوب الخرافي كنقيض للأسلوب العلمي) ويعني الأسلوب العلمي التخطيط والذي يعني أولاً: عدم توقع تحقق الغايات بدون تدخل إيجابي وبالتالي تخرج السلبية والتواكل التي تميز السياسة السودانية من عداد الأساليب العلمية وثانياً: ضرورة سبق الأحداث قبل وقوعها طبقاً لمخططات شاملة ومرحلية تحكم حركتنا في مواجهة الظروف، وعلي هذا تخرج التجريبية والمغامرة التي تميز السياسة السودانية من عداد الأساليب العلمية، فالأسلوب العلمي في السياسة يتضمن النظرية والاستراتيجية والتكتيك ويتحقق عندما تتوافر العلاقة المتبادلة بينهما أي ان يكون كل عنصر مكملاً وفي خدمة العنصر الآخر وهو الأمر غير المتوافر في السياسة السودانية حيث تتعارض هذه العناصر مع بعضها البعض.
كذلك نجد أن السياسة السودانية تتميز بالقفز مما هو كائن إلى ما ينبغي أن يكون دون التدرج من مما هو كائن، إلى ما هو ممكن، إلى ما ينبغي ان يكون.
مشكلة التخلف الديمقراطي: تمثل مشكلة التخلف الديمقراطي البعد السياسي لمشكلة التخلف الحضاري، وتتمثل في: انعدام أو ضعف التقاليد الديمقراطية بفعل الاستعمار وما صاحبه من تخلف ثقافي ومادي، إضافة إلى تطبيق المفهوم الليبرالي القائم على سلبية الدولة بالنسبة للممارسة الديمقراطية، وكان حصيلة هذا فشل تطبيق الديمقراطية، ومن أثار هذا الفشل جاءت ظاهرة الانقلابات العسكرية التي تكاد تكون المرحلة التالية لمرحلة التحرر من الاستعمار على مستوى العالم الثالث كله. كل هذا أدى إلى شيوع العديد من المظاهر السلوكية والفكرية السياسية السلبية منها:
السلبية السياسية ومظاهرها العزلة عن السلطة والشك فيها والسلبية إزاء ما تدعو إليه.
الإشاعات التي هي محاولة لتبادل العلم بالواقع ومشكلاته في ظل نظام يحاول الحيلولة دون هذه المعرفة ويساعد على دعمها شيوع أنماط التفكير الخرافي القائم على قبول الأفكار دون التحقق من صدقها أو كذبها بأدلة تجريبية.
ظاهرة النفاق الذي يعوق تطور المجتمع بما هو تزييف الواقع الاجتماعي ومشكلاته بالكذب في الاخبار عن المعرفة بهذه المشاكل، وتزوير الحلول الممكنة لهذه المشاكل بالكذب في الاخبار عن الآراء التي تتضمن حلول هذه المشاكل، وارباك العمل الاجتماعي بالكذب في الاخبار عن المقدرة على العمل.
أما على مستوى النظم السياسية فان الفكر السياسي السوداني يعني النظم السياسية التي تعاقبت علي حكم السودان، وأهم اشكاليات الفكر السياسي السوداني علي هذا المستوى تتمثل في الخلط بين الدولة بما هي مجموعة السلطة (الحكومة) والأرض (الوطن) والشعب على مر الأزمان، والنظام بما هو السلطة (الحكومة) في زمان ومكان معين، هذا الخلط يتمظهر في عدة ظواهر أهمها شيوع معيار الولاء بدلا من الكفاءة لدى النظم المختلفة وعدم تمييز المعارضة بين استهداف الحكومة واستهداف مؤسسات الدولة.
الأحزاب: لم يعرف الواقع السياسي السوداني في الغالب سوى الأحزاب ذات الشكل الليبرالي التي هي المعادل السياسي للنظام الرأسمالي القائم على المنافسة الحرة من اجل الربح، أما عن علاقتها بالواقع الاجتماعي فإنها بدلاً من ان تكون طلائع للتغيير الاجتماعي فتجسد في داخلها الوحدة الوطنية وتنفتح على الأبعاد القومية والعالمية فإنها أصبحت انعكاسا لواقع التخلف القومي، فأصبحت تعبيراً سياسياً عن الانغلاق القبلي والطائفي.