السبت، 18 أبريل 2015

تقييم تجربة التخطيط الاستراتيجي في السودان


* عمر يحي أحمد 
* جامعة الزعيم الأزهري كلية العلوم السياسية والدراسات الإستراتيجية

    تعتبر الإستراتيجية من مجالات الدراسة التي نالت إهتماماً واسعاً على جميع الأصعدة وهي جاءت كإستجابة للضغوط والمؤثرات البيئية الهائلة التي واجهها الإنسان وتستمد كلمة الإستراتيجية جذورها من الكلمة اليونانية والتي إرتبط مفهومها بالخطط المستخدمة في إدارة المعارك وفنون المواجهة العسكرية ، إلا أنها إمتدت بعد ذلك إلى مجال الفكر الإداري وجميع المجالات ، وأصبحت الإستراتيجية الآن هي :
_ علم وفن صناعة وتشكيل المستقبل .
_ أو الطريقة التي يتم من خلالها إختيار وتنفيذ الأهداف والغايات الكبرى .
تقييم التجربة
تختلف التقسيمات التي يتم من خلالها تقييم التجربة السودانية في التخطيط الإستراتيجي عليه يمكن إن نقسم تجربة السودان إلى مرحلتين مرحلة ما قبل الإنقاذ ومرحلة الإنقاذ ويتضح إن هنالك مرحلة ثالثة وهي مرحلة ما قبل الإستقلال وهي المرحلة الإستعمارية   وهي تبدأ من بداية غزو السودان حتي عام 1956م وقد تم إستبعاد هذه المرحلة لأن التخطيط في هذه المرحلة كانت تقوم به الحكومة الإستعمارية لذلك سيتم تقييم تجربة السودان في إطار مرحلة السودنة وهي مرت بمرحليتين أساسيتين:
المرحلة الأولى : مرحلة ما قبل الإنقاذ
تبدأ مرحلة التخطيط الإستراتيجي في هذه المرحلة من العام 1956 إلى 1989 م وقد شهدت هذه المرحلة عدد من الخطط الإستراتيجية وكانت خطط تستهدف معالجة المشكلات الواقعية للدولة  ، كانت هنالك مجموعة من التحديات التي واجهت التخطيط الإستراتيجي في السودان في فترة ما قبل الإنقاذ تتخلص هذه التحديات في الأتي :
1.   تحديات التوجه :
كانت المرحلة التي تلت ما بعد الإستقلال عام 1956م هي مرحلة توهان ولم تكن هنالك رؤية وطنية أو قومية مجمع عليها مما أضعف عملية وضع خطط إستراتيجية وكما هو معلوم فإن تحديد بوصلة التوجه هو من أهم شروط وضع وإختيار الخطط الإستراتيجية .
2.   تحديات الأمن والإستقرار
شهدت الفترة الممتدة منذ تمرد الفرقة الإستوائية في توريت 1955م إلى عام 1989م  حالة من عدم الإستقرار مما أثر على الأمن القومي للدولة السودانية و أضعف إمكانية إيجاد تخطيط إستراتيجي بعيد المدى فأصبحت الخطط الإستراتيجية في السودان عبارة عن خطط ديوانية تقتصر على مؤسسات الدولة فقط وهي قصيرة المدى ويتضح من هذا إن من أهم العوامل المساعدة لوضع الخطط الإستراتيجية هو عامل الأمن و الإستقرار في الدولة .
3.   تحديات العلماء والخبراء
عانى السودان من قلة العلماء والخبراء ( المتخصصين في الإستراتيجية ) وكان معظم الذين يضعون الخطط للدولة في ذلك الفترة هم أما عسكريين أو رجال علوم إدراية أو إقتصاد .
خصائص التخطيط الإستراتيجي في مرحلة ما قبل الإنقاذ :
1.   تميز بإنه تخطيط قصير المدى ( لمدة سنة وأحدة فقط )  .
2.   إرتبطه بالجانب العسكري بصورة أكبر ( الإستراتيجية العسكرية ) .
3.   كان يركز على التخطيط الإستراتيجي لموازنات المالية للدولة ( تخطيط ديواني )  .
المرحلة الثانية : مرحلة الإنقاذ
جاءت حكومة الإنقاذ إلى الحكم في عام 1989م وقد أحدثت نقلة نوعية في مجال التخطيط الإستراتيجي  وتمد فترتها منذ 1989 إلى الآن حتى ذهب كثير من العلماء إلى أن التخطيط الإستراتيجي في السودان قد بدء في عهد الإنقاذ ، حيث تم وضع عدد من الخطط الإستراتيجية كما تم إنشاء مجموعة من الآليات ، من أشهرها الخطة القومية الشاملة 1992 ـ 2002م والخطة ربع قرنية بالإضافة إلى الخطط الخمسية الفرعية الآخرى .
تحديات التخطيط الإستراتيجي في عهد الإنقاذ
كانت من أهم التحديات التي واجهت التخطيط الإستراتيجي في السودان  في عهد الإنقاذ هو تحدى إيجاد مؤسسات متخصصة تقوم بمهمة التخطيط وقد تم إنشاء المجلس القومي للتخطيط الإستراتيجي وبسببه تم التغلب على هذا التحدى والآن هنالك نوعين من مؤسسات التخطيط الإستراتيجي في السودان وهي مؤسسات مباشرة وغير مباشرة :
المحور الأول : موسسات التخطيط الرسمية المباشرة
وهي التي أنشأتها الدولة وتخضع لسلطاتها وهي خمسة مؤسسات إنشئت بالمرسوم الجمهوري رقم (34) لسنة 2001م في 29 /مايو 2001م بإنشاء المؤسسات العليا المناط بها إعداد الاستراتيجية ربع القرنية على النحو التالي :
اولأ : المجلس القومي للتخطيط الاستراتيجي برئاسة رئيس الجمهورية ويختص بـ:
1.   تحديد موجهات وأهداف الاستراتيجية القومية
2.   تحديد المجالات القطاعية للتخطيط الاستراتيجي
3.   إجازة الاستراتيجية القومية
4.   إقرار خطط التنمية متوسطة المدى كمرحلة سابقة لاعتمادها من قبل السلطتين التنفيذية والتشريعية
5.   تقويم تنفيذ الخطط ومراجعتها وفق ما تقتضيه أية مرحلة أو أي ظروف طارئة
6.   يصدر المجلس لائحة لتنظيم أعماله
ثانياً : اللجنة العليا للتخطيط الاستراتيجي برئاسة النائب الأول لرئيس الجمهورية وتختص بـ:
1.      إعداد مقترح لموجهات الاستراتيجية القومية طويلة المدى بما يتضمن الأهداف والغايات
2.      تكوين لجان قطاعية لإعداد مقترحات الاستراتيجيات القطاعية وتحديد اختصاصاتها
3.      إعداد تصور مبدئي لوثيقة الاستراتيجية
4.      متابعة إنفاذ البرامج
5.      إعداد مقترح البرامج المرحلية لتنفيذ الاستراتيجية القومية
6.      يجوز للجنة الاستعانة في أعمالها بالخبرات الفنية المتخصصة
7.      تصدر اللجنة لائحة لتنظيم أعمالها
ثالثاً :الأمانة العامة للتخطيط الاستراتيجي وتختص بـ :
1.  القيام باعباء السكرتارية العامة لأعمال المجلس القومي للتخطيط الاستراتيجي واللجنة العليا والمجالس القطاعية
2.  معاونة المجلس القومي واللجنة العليا والمجالس القطاعية على أداء مهامها من خلال توفير المعلومات وإعداد الدراسات التي تُكلف بإعدادها
3.      تدوين قرارات المجلس وتبليغها للجهات المختصة
4.  العمل كحلقة اتصال بين المجلس القومي من جهة ومجالس ووحدات التخطيط بالولايات والوزارات من جهة أخرى
5.  متابعة تنفيذ قرارات وتوجيهات المجلس القومي للتخطيط الاستراتيجي واللجنة العليا وإعداد تقارير بموقف التنفيذ
رابعاً : وحدات التخطيط بالوزارات الاتحادية وتختص بـ :
1.      صياغة ما يلي الوزارة في إطار الاستراتيجية القطاعية
2.  متابعة تنفيذ الاستراتيجية والخطط المرحلية وتقويم التنفيذ ورفع تقارير دورية بذلك للجنة العليا للتخطيط القومي الاستراتيجي
خامساً : مجالس التخطيط الاستراتيجي بالولايات وتختص بـ :
1.      اقتراح موجهات الاستراتيجية وأهدافها على المستوى الولائي
2.      اقتراح المجالات القطاعية على مستوى الولاية
المحور الثاني : مؤسسات التخطيط غير المباشرة      
وهي تشمل الجامعات والكليات المتخصصة مراكز الأبحاث والدراسات المهتمة بالتخطيط الإستراتيجي وهي تختص بمد الدولة بالدراسات و المشاركة في وضع الخطط و إصدار التقارير وتقيم خطط الدولة و إقامة الندوات العلمية .
هل تجربة التخطيط الإستراتيجي في السودان ناحجة ؟ .
يمكن الإجابة على هذا السؤال في إطارين :
§                الإطار النظري
يتضح إن الخطط الإستراتيجية في السودان في إطارها النظري جيدة ومحكمة و تتطابق مع كثير من شروط ومتطلبات التخطيط الإستراتيجي  كما توجد عدد من المؤسسات المتخصصة بالإضافة إلى توفر العلماء و الخبراء .
§                      الإطار التطبيقي
وهو يختص بجانب تنفيذ الخطط على أرض الواقع وفيه تبرز مجموعة من الإخفاقات و الفشل في واقع الدولة السودانية  المعاصر وهنالك مجموعة من التحديات التي تواجه واقع ومستقبل التخطيط الإستراتيجي في السودان وهي :
1.    تحديات البناء القومي و الإجتماعي .
2.   تحديات الأمن والإستقرار .
3.   تحديات تحقيق التنمية بمفهومها الشامل .
4.    تحديات المتغيرات و البيئة الإقليمية والدولية .
 مقترحات لإصلاح التخطيط الإستراتيجي في السودان :
      i.            تفعيل دور المجلس القومي للتخطيط الإستراتيجي بصورة تمكنه من القيام بدوره المطلوب بالإضافة إلى الجهات ذات الصلة  .
    ii.            إعطاء المجلس جميع السلطات القانونية والتنفيذية اللازمة لتنفيذ خطط الدولة .
 iii.            مراعاة عامل التخصص في إختيار وتعيين موظفي التخطيط الإستراتيجي  وعند وضع الخطط الإستراتيجية .
 iv.            دعوة و إستقدام الخبرات السودانية من الخارج ضرورة قصوى لتدعييم ونجاح التخطيط الإستراتيجي في السودان.
 ــــــــــــــــــــــــ
 *عمر يحي أحمد 
* جامعة الزعيم الأزهري كلية العلوم السياسية والدراسات الإستراتيجية