الثلاثاء، 24 مارس 2015

المسلمين واشكالية الفلسفة العقلية


يتضح إن أعظم شيء في الوجود هو ذلك الكائن الذي يتربع على قمة الطبيعة و الذي أطلق عليه اسم ( اﻹنسان ) ولقد اتفقت كل اﻷراء وإتجاهاتها و اﻷديان ورسالاتها على مبدأ بما ان اﻹنسان هو اعظم شيء في الوجود فإن ( العقل ) البشري هو أعظم شيء في اﻹنسان وكلما ترقى وتطور عقل اﻹنسان تعاظمت على أثاره عظمة الوجود البشري .
دعت معظم الاراء والمفكرين و اﻷديان السماوية إلى ضرورة إستخدام العقل وعدم تجاهله و يبدو جليآ إن العقل البشري برغم قصوره إﻷ إنه هو صمام اﻷمن وعنصر الكمال المرجوه لسد حلقة القصور البشري فالعقل اﻹنساني سبق وجوده وجود اﻷحكام القبلية و القواعد الدينية و المؤثرات البيئية وقد أدرك بعض الفلاسفة هذه الحقيقة ونادوا بها وهنا نشأ هذا التيار الذي أطلق عليه المدرسة العقلية أو الفلسفة العقلية.
الفلسفة العقلية هي مدرسة تدعو إلى أستخدام العقل وإعماله في ما هو كائن وما يجب ان يكون تحت مبدأ ( الظاهرة في ميزان العقل ) ويبدو إن اﻹسلام -كدين - لم يدعو إلى تجميد العقل وركونه وإنما دعا إلى إستخدامه وإعماله ولكن كثير من العلماء المسلمين. - كأفراد - قد دعوا إلى عدم استخدام العقل وتأثروا بالسلفية الفكرية والفلسفة القبلية وكانت من اثار هذه الردة الفكرية واﻹنهزام الواقعي هو تجميد منابع المعرفة و قدرات اﻹنسان كمفكر و العقل البشري كناقد .
بالنظر إلى نصوص اﻵيات و مدلوﻷت اﻷحاديث وفرضيات العرف يتضح مدى تعظيم اﻹسلام إلى العقل البشري و التفكير اﻹنساني. لقد تأثر كثير من علماء المسلمين بمبدأ السلفية الفكرية حتى في بعض الحركات اﻹسلامية الفكرية التنويرية و المعاصرة فلم يستخدموا العقل - كمنبع للفكر - تستقى منه القواعد و المبادئ ولم يدعوا عوام المسلمين إلى أستخدامه فكل من أستخدمة عقله في اي قضية معاصرة او لمواجهة واقع اﻷمة أو فقه الواقع يعتبر ( كافر - ملحد - زنديق - متآمر ...الج.
إن لمفهوم العقل في اﻹسلام قواعد و لمبدأ العقلية. في اﻹسلام حدود وللحدود تصورات و لكل تصور منطلق. ولكل منطلق واقع و الواقع متغير ومتغاير و اﻹسلام ذات أصول ثابتة وهنا تبرز أهمية العقل لتوفيق بين السلفية. والخلفية و الواقع و معالجة عنصر الدين و التدين.
يبدو ان من أهم المشكﻷت التي تواجه الفرد -كإنسان مسلم - لﻹسلام وبإعتبار اﻹسلام منهج للحياة يكمن في تلك الحواجز التي يضعها العلماء المسلمين أو المتأسلمين بين الفرد و قواعد اﻹسلام و خصائصه لذلك يجب إن نميز بين الفلسفة العقلية في مفهومها المجرد وتصورها في اﻹسلام
وأخوف ما يخاف المرء على أمته اﻷئمة المضلين ! .



تستمد كينونة الوجود الكوني في معرفة مجهولات جوهر الوجود والذي يبدو انه يتمحور حول المعرفة فهي ثمرة التقابل بين ذات مدركة وموضوع متدارك، وتتميز عن باقي معطيات الشعور من حيث إنها تقوم في آن واحد على التقابل والاتحاد الوثيق بين هذين الطرفين. والمعرفة بهذا الشكل هي التي تحصل للذات العارفة بعد اتصالها بموضوع المعرفة لتنتقل بذات الإنسان من اطر العقل اللاهوتي الي المتفزيقي حتي تصل الي موضع وضعية العقل البشري كما تطلق نظرية المعرفة على البحث في إمكان المعرفة البشرية، وفي مصادر هذه المعرفة أو الطرق الموصلة إليها والمعرفة تستمد من بيئة الفرد وتركبيته الفيزيولوجية والمادية ومن هنا برزت اطروحات فلسفية متغيرة ومتغايرة مثل الفلسفة الاسلامية والغربية تدور المعرفة في التصور الإسلامي حول محورين رئيسيين:
1/رفض النزعة الشكية و"الاعتقاد اللاهوتي:
يرفض التصور الإسلامي التعميمات الغربية حول حتمية تحصيل المعرفة عن طريق المنهج التجريبي، وإلا فإن ما لم يحصل من خلال هذا المنهج فهو موضع للشك، وفي ذات الوقت يتعامل التصور الإسلامي بشكل مختلف مع مفهوم الاعتقاد " حيث يُفسر هذا المفهوم في الفلسفة والفكر الغربي بأنه فعل أو عزم به يعقد المرء النية على أن يقبل كشيء صادق ما يمثل عقبة للعقل. في حين يقدم التصور الإسلامي مفهوم اليقين كمرادف لمفهوم الإيمان؛ حيث القضايا الإيمانية هي صادقة في الواقع، وصدقها يحيط به العقل، أي يفهمه ويقبله يقينًا.
2/التوحيد من حيث هو مبدأ للمعرفة:
إن الإيمان بالله والإقرار بوحدانيته تعالى هو المبدأ الأول للإسلام، والوحدانية هي نقطة البحث عن الحقيقة أو المعرفة في الفكر الإسلامي؛ حيث إن وجود الله تعالى وإرادته وأفعاله هي الأسس الأولى التي يقوم عليها بناء كل الكائنات وكل المعارف وأنظمتها.
مصادر المعرفة في التصور الإسلامي:
1 - الوجود: يؤكد الخالق -عز وجل- على دور الحواس في اكتشاف المعرفة المحيطة بالإنسان، كذلك النظر العقلي والتأمل والتفكر في الكون ومكوناته، كما دعا الخالق -عز وجل- إلى عدم تقليد السابقين، لأن التقليد يُعطل العقل عن البحث وإدراك الحقيقة.
2 - الوحي : يتميز الوحي عن الوجود كمصدر من مصادر المعرفة في الفكر الإسلامي بأنه يدرك الحقيقة المطلقة أو يدرك الأشياء على حقيقتها بشكل منزه عن الخطأ. ويقدم الوحي معارف متنوعة؛ إذ يقدم -منفرداً عن كل وسائل المعرفة التي تندرج تحت مصدر الوجود- معرفة تتعلق "بالغيب"، ومعرفة تتعلق بالقوانين الطبيعية في الكون، ومعرفة تتعلق بالسنن الحاكمة للوجود الإنساني.
وتتميز المعرفة في التصور الإسلامي بعدد من السمات البارزة
1 - عدم الفصل بين المعرفة والعمل: إن المعرفة في الرؤية الإسلامية ليست غاية في حد ذاتها، ولكن لا بدّ أن تلحقها مرحلة أخرى تتمثل في السلوك أو العمل.
2 - تكامل المعرفة: التصور الإسلامي للمعرفة متكامل لا يعرف التنافر، ولا يحتوي على القطيعة المعرفية بين أجزائه؛ فهناك تكامل بين الوجود والوحي، وتكامل بين النظر والعمل، وتكامل بين المعرفة العلمية والمعرفة الغيبية، وكل ذلك نابع من تجليات مبدأ التوحيد في وحدة الحقيقة.
ولقد كان ذلك على العكس من التجربة الغربية التي حدث فيها التعارض والتنافر بين المعرفة العلمية والمعرفة الميتافيزيقية الدينية.
3 - الإنسان هو خليفة الله في الأرض: من بين العناصر الهامة التي تشكل التصور الإسلامي للمعرفة تحديد مركز الإنسان من العالم باعتباره حاملاً للأمانة الإلهية مما جعله خليفة لله في أرضه، وأن مضمون الخلافة هو إعمار الكون والإصلاح فيه وعبادة الله سبحانه وتعالى -
نقاط التباين بين التصور الإسلامي وتصورات الفلسفة الغربية للمعرفة
ويلاحظ بوضوح وجود اختلاف بين التصور الإسلامي للمعرفة والتصور الغربي بحيث يبدوان كطرفي نقيض، ويتمحور هذا التباين حول مصادر المعرفة وطبيعتها وغايتها. فمن ناحية، بينما تنحصر مصادر المعرفة الغربية في الوجود تمتد المصادر الإسلامية لتشمل الوحي، وبناء على ذلك فإن المعرفة لدى الفكر الغربي محدودة وقاصرة على الجانب المقابل للملاحظة، وإن كانت لدى التصور الإسلامي تشمل الجوانب الغيبية. ومن ناحية ثانية: نجد أن غاية المعرفة في التصور الإسلامي هي التقرب إلى الله وعبادته، والإفادة من الطبيعة بالقدر الملائم؛ لكنها في التصور الغربي تهدف إلى قهر الطبيعة والسيطرة عليها.
وفى الواقع فإن النظرة الشاملة للمعرفة في الفكر الغربي تجعل من الإنسان سيدًا للكون، حيث يشغل مركزه، وفكرة مركزية الإنسان للكون هذه تعبر بالفعل عن مأزق التمركز حول الذات الذي يعاني منه التصور الغربي، ولا يمكن الخروج منه إلا بالرجوع إلى الفكرة الصحيحة عن الإنسان؛ وهي فكرة الاستخلاف في التصور الإسلامي، فالإنسان /الخليفة سيد في الكون، أما سيد الكون فهو الله، والمنظومة التوحيدية تقوم على المسافة بين الاثنين، فالله متجاوز ومفارق، والإنسان مستخلف في الدنيا ويرشده الوحي ولربه الرُجعى في الآخرة، والتي هي موضوع من موضوعات المعرفة مصدره الوحي دون غيره لتعطل أدوات المعرفة الأخرى في هذا المضمار.
ولا يمكن فهم نظرية المعرفة في الإسلام إلا بهذا التركيب والبناء، مع فصل مصدر المعرفة عن حجيتها، فالحدس والإلهام مثلاً مصادران للمعرفة، ويلاحظ أن استخدام الحدس في الوصول للمعرفة قد عرفه الصوفية في الإسلام؛ حيث يرون أن المعرفة العقلية وإن كانت أكثر رسوخًا إذا ما قورنت بالمعرفة الحسية، إلا أن العقل له مجال محدود لا يتجاوزه، ويأتي دور الحدس في اختراق ما وراء العقل، والحدس لدى الصوفية هو نور يقذفه الله في قلب الصوفي، بيد أن الأحكام الشرعية لا تبنى عليهما. وللفقهاء والأصوليين أقوال نفيسة مفصلة في هذه المسائل على الباحث المهتم العودة إليها

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق