الخميس، 7 مايو 2015

الصراع الاريتري الجيبوتي


تحتل منطقة القرن الأفريقي، موقعاً إستراتيجياً مهماً في منطقة جنوب البحر الأحمر، وفي الجزء الشّمالي الشّرقي، من القرن الأفريقي. وتتمتع بخصائص إستراتيجية، وأهمية جغرافية سياسية (جيوبولوتيكية)، مما جعلها محطاًّ للأنظار، ومجالاً للصراع العالمي، في محاولة للسيطرة على المنطقة.
وللقرن أهمية إستراتيجية، حيث تعد المنطقة، هي الاتجاه الإستراتيجي، الجنوبي الشرقي، إضافة إلى تأثيرها على أمن البحر الأحمر، والذي يطلق عليه "الاتجاه الإستراتيجي في البحر الأحمر، للأمن القومي العربي".
تشتمل منطقة القرن الأفريقي على ست دول، من بينها ثلاث دول عربية "الصومال والسودان وجيبوتي"، ودولة لم تعلن عن هويتها العربية "إريتريا" على الرغم من أنها دولة عربية إسلامية. ولذا نجد، أن نصف دول القرن دول عربية، ولا شك أن تحقيق أمن هذه الدول، يساعد على تحقيق الأمن القومي العربي وأمن البحر الأحمر.
وتعد هذه المنطقة، إحدى المناطق المشتعلة بالاضطرابات، والصراع بين دولها، إضافة إلى تدخل قوى إقليمية وعالمية، تعمل على استمرار الاضطرابات في المنطقة، ولذلك فإنها تجد الوسيلة للبقاء، داخل دول القارة، من خلال إمدادها بالأسلحة المختلفة، تحقيقاً لمصالحها الخاصة، أو لمصالح بعض القوى الكبرى.
* أهمية «رأس دميرة» بالنظر إلى أهمية موقع الدولتين
الأمر الواضح في هذا الأمر بأن اريتريا في الوقت الحالي لا تنظر إلى هذا التل الصغير(رأس دميرة) من زاوية أهميته في رسم حدودها البرية مع جيبوتي، ولكنها تنظر إليه باعتباره المحدد لمصير جزيرة «دميرة» التي تقع حالياً ضمن سيادة إريتريا على المدخل الجنوبي للبحر الأحمر وكلاهما أي(الرأس والجزيرة) يحددان علاقة اريتريا بمنطقة باب المندب، وهي العلاقة التي تحدد مصير الموقع الاستراتيجي لدولة اريتريا والذي على أساسه يتحدد المستقبل السياسي للنظام الاريتري الذي ظل يعمل منذ استقلال بلاده عن إثيوبيا على تقديم نفسه للعالم من نافذة الأهمية الإستراتيجية لهذا الموقع، فضلاً عن تسويقه للقوى العالمية ووضعه تحت خدمة الدوائر الدولية بمقابل اعتماده كشرطي على منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر كوريث لعدوته إثيوبيا التي استقل عنها، ولهذا خشيت اريتريا أن تصبح منطقة «رأس دميرة» خارج ترتيباتها الأمنية أو أنها تؤول ضمن ترتيبات دولية مستقبلية إلى عدوتها إثيوبيا.
 أما بالنسبة لجيبوتي فالمعلوم عنها بأنها تتمتع بأهم موقع استراتيجي من بين دول المنطقة، كونها تطل على الثلاث المناطق البحرية الاستراتيجية (باب المندب, وخليج عدن, والبحر الأحمر) إضافة إلى أنها تقابل اليمن في وسط الضفة الأفريقية المقابلة للضفة الآسيوية والتي تمثل ركائز الدائرة المحورية التي تغطي جانبي البحر الأحمر، ولهذه الخصوصية الاستراتجية عملت أمريكا مؤخراً على جعلها قاعدة أمريكية إقليمية رئيسية في القرن الإفريقي واعتمدتها كمركز لدائرة عملياتية تغطي جانبي البحر الأحمر الأفريقي منه والآسيوي، وهو ما جعل جيبوتي تنظر إلى الأهمية الاستراتيجية لـ«رأس دميرة» بحساسية مفرطة نظراً لما يمثله هذا الرأس من أهمية في تعزيز مركزها عند نقطة التحكم بالمدخل الجنوبي للبحر الأحمر والتي تعد إحدى الركائز المحورية للدائرة العملياتية التي تغطي جانبي البحر الأحمر انطلاقاً من المركز جيبوتي.
اتفاقية الحدود في عام 1900 المعمول بها حاليا تنص على أن الحدود الدولية لراس الدميرة على البحر الأحمر تمتد لمسافة 1.5 كم على طول الخط الفاصل لشبه الجزيرة. بالاضافة لذلك، فإن بروتوكول 1900 ينص على أن جزرة الدميرة الواقعة مباشرة أمامها والجـُزَيرات المجاورة لها لن يتكون لها سيادة وستبقى منزوعة السلاح.
ظلت العلاقة مابين إرتريا وجيبوتي تترواح مابين التحسن والتوترفي العشر السنوات الأولي من الإستقلال ،وكاد البلدان أن يلجأ الي الحل العسكري في عام 1996م لولا تدخل دول منظمة إيغاد ،وكانت منطقة رأس الدميرة وجزيرة دميرة اللتان تقعان علي الحدود الإرترية الجيبوتية والتي يصل طولها 110كلم  دائما وراء التوتربين البلدين، وتوترت العلاقات أكثر بين الجانبين عندما وقعت جيبوتي برتكول تعاون عسكري مع إثيوبيا في عام1999م ،و إتهام إرتريا لجيبوتي في تلك الفترة بالسماح لإثيوبيا لإستيراد مختلف المعدات العسكرية عبر مينائها لإستهدفها في الحرب ضدها.
  وقد شهدت العلاقات تحسنا بين البلدين منذ مارس عام 2000م بعد وساطة قام بها الزعيم الليبي معمر القذافي ،حيث قام الرئيس أسياس بعدها بزيارة لجيبوتي في عام 2001م ،كما قام بالمقابل الرئيس الجيبوتي بزيارة مماثلة لإرتريا،وأعتبر ذلك حينها إختراقا إرتريا للتحالف الجيبوتي الإثيوبي،وبعد ذلك شكل الجانبان لجان مشتركة  وتم إقرار إجتماعات دورية مستمرة ،و تم توقيع إتفاقية تعاونية في القطاعات السياسية والإقتصادية بينهما، إلا أن العلاقات تأزمت بشكل تدريجي مع تأزم الوضع في الصومال ،بسبب تباين موقف الجانبين من الأطراف المتقاتلة في الصومال،وتطابق الموقف الجيبوتي مع نظيره الإثيوبي من الصراع الصومالي ،كما اتهمت جيبوتي إرتريا بمحاولة زعزعة الإستقرارفي جيبوتي  بتدريب عناصرمعارضة للحكومة الجيبوتية،وهي إتهامات ينفيها الجانب الإرتري، وأقدمت جيبوتي بالإعلان عن توقف عمل اللجان المشتركة والتواصل مع الجانب الإرتري.
وتعود الأزمة الحالية الي إبريل 2008م عندما قامت إرتريا بنشرقوات ومعدات عسكرية في راس دميرة بشمال جيبوتي وجزيرة دميرة ،وتطور الأمر الي حدوث مواجهات عسكرية بين الطرفين خلال الفترة مابين 10-12يونيو2008م ،أدت الي سقوط قتلي وجرحي وأسري من الطرفين،وقالت إرتريا حينها إن جيبوتي سمحت في فبراير2008م بإنتشارقوات اثيوبية من  وحدات المدفعية بعيد المدي علي نقطة "جبل موسي علي" الإستراتيجية المرتفعة التي تلتقي عندها الحدود المشتركة بين ارتريا وجيبوتي وإثيوبيا،واعتبرت ذلك بمثابة مؤامرة جيبوتية مع إثيوبيا لإستهداف سيادتها.
وبعد وقوع هذه الإشتباكات وتم تناولها في مختلف وسائل الاعلام ،بادرت جيبوتي بإعلان وجود إحتلال إرتري لأراضي جيبوتية ،وبدأت تحركا سياسيا ودبلوماسيا ، ألا أن الجانب الإرتري أنكروجود أزمة ،وفي بيان لها صادر في 11يونيو2008م  أعتبرت الخارجية الإرترية الموقف الجيبوتي عبارة عن حملة عدائية ضد إرتريا ومحولة لجرها في مشكلة لاتعنيها .
وإنطلاقا من أنه لاتوجد أزمة مع جيبوتي رفضت الحكومة الإرترية كافة الوسطات الدولية التي كانت تهدف الي إيجاد حل للأزمة بين البلديبن ،ومن بينها الوساطة الليبية،والقطرية ،كما رفضت إرتريا التجاوب مع بعثة الإتحاد الافريقي لتقصي الحقائق ،ووساطة لجنة السلم والأمن الأفريقي ،ووساطة مجلس السلم والأمن التابع للجامعة العربية ،رفض كل ذلك بحجة لايوجد خلاف حدودي مع جيبوتي.

التطورات التي صاحبت القرار(1907)2009م:
أقر مجلس الأمن بتأريخ 23ديسمبر2009م مشروع القرار1907الذي قدمته يوغندا وأقربغالبية 13صوت وإمتناع الصين عن التصويت وتصويت ليبيا ضده،وجاء إتخاذ القرار لعدم إمتثال الجانب الإرتري لما جاء في القرار(1862)2009م أمهل فيه ارتريا خمسة أسابيع لسحب قواتها وجميع عتادها الى المواقع السابقة وإلى الإعتراف بوجود نزاع مع جيبوتي وأن تبدي إستعدادها فعليا للحوار من أجل تهدئة التوتر .
ووصل مشروع القرار الأفريقي الي مجلس الأمن بطلب من الهيئة الحكومية الدولية (ايغاد) والإتحاد الإفريقي ،و كان يتعلق بشأن النزاع الحدودي بين جيبوتي وإرتريا ،والدور الإرتري في زعزعة  الصومال، ويفرض القرار حظر علي إرتريا علي توريد السلاح،وحظر علي السفر،وتجميد أرصدة مالية لأفراد ضمن القيادة السياسية والعسكرية لإرتريا، كما طالبت العديد من المنظمات الخارجية الأمريكية للضغط علي دول مثل الصين وكندا واستراليا والتي تعمل شركاتها في مجال التعدين  بإرتريا للتجميد أنشطتها مالم تتوقف الحكومة الإرترية من أنشطتها العدائية في المنطقة.
الخطوات التي قام بها مجلس الأمن بعد إتخاذ القرار:
 كلف مجلس الأمن الأمين العام للامم المتحدة لإعداد تقريركامل عن مدي التزام الجانب الإرتري بإحكام القرار1907 في غضون 180يوما ،كما قام الأمين العام بتقديم مذكرة الي البعثة الدائمة لإرتريا لدي الأمم المتحدة في 22إبريل 2010م طالبا منها تقديم معلومات عن الموقف الإرتري بشأن الإلتزام بماء جاء في القراربحلول 7يونيو2010م.
بداية رضوخ الحكــومة الإرترية للمطالب الدولية:
عندما صدر قرار العقوبات الدولي حاولت الحكومة الإرترية التصدي له من خلال القيام بحملات جماهيرية وإعلامية موسعة والتحرك الدبلوماسي المحدود أصلا  ،ولهذا دعت مؤيدها للخروج  الي مظاهرات ومسيرات في مختلف مناطق العالم وتقديم مذكرات احتجاج الي مكاتب الامم المتحدة ،واعتبار مشروع القرار الدولي إستهداف ومؤامرة علي سيادتها ، ولكن وبعد فترة بات واضحا أن تلك المسيرات لن تجدي نفعا للقائمين ورائها ، وأن قرار تنفيذ العقوبات حتمي مالم يتم الإلتزام بما جاء في القرار الدولي،ومنذ ذلك قامت الحكومة الارترية بالعديد من التحركات التكتيكية في محاولة للإفلات من تلك العقوبات التي أكدت كافة المؤشرات أنها ستكون مؤثرة جدا علي مصالح الحزب الحاكم ،وستحدد من نطاق تحركاته وتواصله مع العالم الخارجي ولاسيما أن القرار استهدف شخصيات أساسية في الدولة ، تنفيذه كان من الممكن أن يتسبب  في شلل عمل الدولة، ولهذا سارعت إرتريا بإتهام  لجنة العقوبات بالإعتماد علي الخارجية الإثيوبية في اعداد اليات تنفيذ القرار.
  وفي ظل تلك الأوضاع  لم يكن أمام الطرف الإرتري خيار الا الخضوع لبعض ماجاء في مسودة القرار الدولي، وعندما أحس بخطورة الموقف بادر الرئيس إسياس ببعث رسالة بتأريخ 19يناير2010م  الي الدول الأعضاء أوضح فيها موقف حكومته بشأن القرار،وطالب أفورقي أن تتاح الفرصة لحكومته كي تدافع عن نفسها ضد الإدعاءات الموجه اليها ،كما أبدي استعداده للتحاور بشأن القضايا التي أثيرت في القرار،من جانبه رد الأمين العام للامم المتحدة بالموافقة بأن تتاح الفرصة لإرتريا للمشاركة في كافة النقاشات بمجلس الأمن الدولي حول القرارالدولي(1907) ومنذ ذلك فتح باب الحوار بين إرتريا والأمم المتحدة حول قرار العقوبات الدولي
الوساطة القطرية:
في السابع من يونيو 2010 أعلن رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، أن رئيسي إريتريا وجيبوتي ، قد وقعا اتفاقية عهدا بموجبها إلى قطر ببذل جهود الوساطة لإيجاد حل للخلاف الحدودي القائم بين بلديهما، وفوضا أمير قطر بالوساطة، حيث وقع الاتفاقية أيضاً بصفة دولة قطر وسيطاً وشاهداً بالصلاحيات الكاملة لإصدار وثيقة عمل تنفيذية للاتفاقية.
7 مواد تضمنتها الوثيقة التنفيذية للاتفاقية
- المادة الأولى: تشكل لجنة برئاسة الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية بدولة قطر، وعضوية ممثل عن كل من الطرفين للنظر في حل الخلاف الحدودي وفق التخويل الممنوح لدولة الوساطة من قبل الطرفين. وتتولى اللجنة اختيار وتعيين إحدى الشركات العالمية بموافقة الطرفين، لكي تقوم بترسيم الحدود بين البلدين وفقاً للأصول والقواعد المتعارف عليها دولياً لترسيم الحدود، وبما يتفق مع أحكام الاتفاقيات والقواعد الدولية الملزمة لهما بشأن تحديد الحدود بين بلديهما، ولرئيس اللجنة أن يشكل لجاناً ويستعين بمن يراه مناسباً من سياسيين وفنيين ومهنيين وقانونيين لإنجاز مهمة اللجنة.
- المادة الثانية: تهدف هذه اللجنة إلى إنهاء الخلاف الحدودي بين الطرفين والعمل على ترسيم الحدود بين بلديهما، بما يخدم علاقات حسن الجوار.
- المادة الثالثة: يقوم كل من الطرفين بتزويد دولة قطر بكشف يوضح عدد وأسماء الأسرى الموجودين لديه إن وجدوا، وكذلك بكشف يوضح عدد وأسماء المفقودين. ويتم تبادل الأسرى بين البلدين، كما يقوم كل من الطرفين بتقصي مصير المفقودين، وكل ذلك بإشراف دولة قطر.
- المادة الرابعة: يقوم كل من الطرفين بتزويد دولة قطر بكافة المعلومات والوثائق والمستندات التي تيسر عمل اللجنة بغية تقديمها للشركة العالمية المكلفة بترسيم الحدود.
- المادة الخامسة: تقدم الشركة العالمية المتفق عليها لترسيم الحدود نتائج عملها إلى اللجنة المشار إليها في المادة (1) من هذه الوثيقة، ويعتبر قرار اللجنة نهائياً وملزماً للطرفين.
- المادة السادسة: تتولى دولة قطر بوصفها الوسيط في حل النزاع بين الطرفين القيام بالإشراف على مراقبة الحدود، من خلال بقاء قواتها في المناطق الحدودية، لحين صدور القرار النهائي بشأن تسوية الخلاف من اللجنة المشار إليها في المادة (1) من هذه الوثيقة.
- المادة السابعة: تقوم دولة قطر بإيداع الاتفاقية والوثيقة التنفيذية للاتفاقية حول تسوية الخلاف الحدودي لدى الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي.
وبموجب تلك الإتقافية قامت الحكومة الارترية بالإنسحاب من المناطق المتنازع عليها مع جيبوتي ،وتقوم حاليا قوات من حرس الحدود القطري  أطلق عليها إسم "واجب " بمراقبة تلك المناطق وستبقي هناك الي حين الوصول الي إتفاق نهائي وملزم للطرفين ،وستقوم دولة قطر بالتشاور مع طرفي النزاع بتشكيل لجنة برئاستها وعضوية ممثلي كل من إرتريا وجيبوتي وأطراف أخري  ،واختيارإحدي الشركات العالمية لكي تقوم بمهمة ترسيم الحدود بما يتفق وأحكام الإتفاقيات والقواعد الدولية الملزمة للطرفين بشأن الحدود ،وبموجب تلك الاتفاقية ستقوم الأطراف المتنازعة بتزويد دولة قطر بكافة الوثائق والمستندات التي تسهل عمل تلك اللجنة  ،وسيكون قرار اللجنة نهائي وملزم للطرفين.
* ونشير هنا إن هذه الاتفاقية طرحت الي الطرفين منذ فترة بداية اندلاع الأزمة الحدودية بين الطرفين ، ألا أن عدم إستعداد الطرف الإرتري لقبول الوساطة ظل يحول دون التوقيع عليها، والآن ومع استمرارية تردي الوضع الداخلي في إرتريا وجدية المجتمع الدولي لمحاسبة إرتريا بناء علي مواقفها السلبية تجاه العديد من القضايا في المنطقة ،لم يترك خيار أمام الطرف الإرتري للإفلات من العقوبات الدولية سوى الموافقة علي المبادرة القطرية .
مستقبل القرار(1907) بعد توقيع الوساطة القطرية:
  بعد إنتهاء التوقيع علي الوساطة القطرية بعث الرئيس أفورقي برسالة الي الأمين العام للامم المتحدة في 24يونيو،أكد فيها استعداد بلاده للتشاور مع المجتمع الدولي حول التحديات التي تواجه المنطقة ،وأشار في رسالته أن النزاع الحدودي وعدم تطبيق قرار ترسيم الحدود بين إرتريا واثيوبيا ينعكس سلبا علي استقرار المنطقة ، من جانبها رحبت الامم المتحدة بالخطوات التي اتخذتها إرتريا مؤخرا،وجاء في تقرير للامين العام قدم في لاجتماع عقد في22يوليو2010م بأن إرتريا تستحق الثناء لمشاركتها البنائة مؤخرا مع جيرانها والمجتمع الدولي،ومستفيدا من هذه الأجواء ناشد ممثل إرتريا المجتمع الدولي بسحب القرار(1907)ووصفه بأنه قرار غير عادل وإنتقائي ،كما تحاول الحكومة الإرترية لإلقاء  الكرة الى ملعب المجتمع الدولي بتحميله مسؤولية عدم تنفيذ قرار ترسيم الحدود بين إرتريا واثيوبيا،والفشل في الضغط على اثيوبيا للانسحاب من الاراضي التي تعود سيادتها لإرتريا .
  أما المجتمع الدولي فطالب إرتريا لتقديم مزيد من الأدلة والإمتثال بالقرار والتدابير العملية الواردة فيه ،وخلص في إجتماعه الاخير أن قدرة الأمم المتحدة علي التحقيق من إمتثال إرتريا للقرار الدولي محدودة جدا ،ولهذا قام المجلس في إجتماعه الأخير بتشكيل لجنة جديدة لمراقبة الوضع في الصومال وإرتريا ،وسترفع اللجنة تقريرها بعد 120يوما وحينها سيتضح إمتثال إرتريا من عدمه بما جاء في القرار الدولي.
أهداف اريتريا من التدخل العسكري :
تحركت إرتريا باتجاه جيبوتي عسكريًا، لتحقيق جملة من الأهداف، أولها إشاعة التوتر في الإقليم على نطاق واسع، وثانيها، للتأثير على الدور الإرتري في الصومال، وعلى دورها كممر استراتيجي لإثيوبيا، ووضعها في مواجهة خيارات صعبة، خاصة وأن سكان هذا البلد، لا يتعدون نحو 700 ألف مواطن. الدور الحائر
تبدو القضية الأولى، هي أن ما وفر لإرتريا المحدودة القدرات والإمكانيات، أن تمارس كل هذا الدور الإقليمي، هو أن القوى الإقليمية الكبرى في الإقليم تعاني من حالة ضعف، خاصة إثيوبيا والسودان والصومال،بما فتح "المجال الحيوي" أمام حركة إرتريا وهى الدولة الأضعف .
غير أن ذات أوضاع الضعف في القدرات خاصة الاقتصادية، بحكم شح الموارد وقلة الأرض الزراعية – مع التمرس في الأعمال الحربية خلال حرب الانفصال – إضافة إلى "طبيعة حكم الأقلية" المتحكمة في أهل إرتريا، يمثل الدوافع الداخلية لهذه التحركات والحروب والصراعات.
وكذا يمكن القول، بأن عدم انتماء إرتريا إلى منظمة أو تجمع من بين الدول الإقليمية، بما يجعلها دولة تواجه دولاً ذات انتماءات وامتدادات، هو أحد دوافعها للقلق الاستراتيجي، خاصة وأنها الدولة الأضعف ضمن محيطها الذي يضم السودان وإثيوبيا، إضافة إلى أن الصومال يملك إمكانيات وقدرات تفوق إرتريا، حال وقوفه على أقدامه.
هي دولة لا تعيش إلا وفق وضع إقليمي متبعثر؛ ولذا رأيناها تغير من مواقفها وتحالفاتها، بعد انعقاد تجمع صنعاء (اليمن – الصومال – إثيوبيا) وقد نجحت بالفعل في تغييب ضرورة بقائه ونشاطه بتحركاتها، كما هي دولة تبحث عن وجود في الإقليم ولذا هي تنتقل من صراع إلى آخر ، وفي الأغلب يشعر نظامها أنه لا استقرار له إلا بإشغال المجتمع بحالات صراع خارجية.
الموقف الأثيوبي:
كانت جيبوتي قدمت بديلاً استراتيجيًا لعزلة إثيوبيا – ما بعد "استقلال إرتريا" – عن البحر الأحمر؛ إذ صارت إثيوبيا تستورد وتصدر عبر جيبوتي. كما دخلت جيبوتي في تحالف فعلي مع إثيوبيا بحكم مصالحها كبوابة وممر، ومن خلال وجود القواعد العسكرية الأمريكية على أرضها – التي تستخدم فعليًا في الهجمات على المقاومة الصومالية – إلى جانب القواعد العسكرية الفرنسية.
لكن الأخطر جرى حين بدأت جيبوتي تلعب دورًا في حل أزمة ومآزق قوات الاحتلال الإثيوبية في الصومال، من خلال المفاوضات التي جرت على أرضها – تحت إشراف الأمم المتحدة – بين قيادات من تحالف إعادة تحرير الصومال والحكومة المتعاونة مع الاحتلال الإثيوبي.
وإذا كان سبق تلك المفاوضات أن هاجم شيخ شريف (أحد قيادات المحاكم) الدور الإرتري، فإن ما نتج عن المفاوضات من اتفاق على وقف الأعمال العدائية لمدة ثلاثين يومًا، وتطوير الاتفاق خلال الثلاثة أشهر التالية باتجاه حضور "قوات دولية" وبدء انسحاب القوات الإثيوبية، قد أشعر إرتريا بالخطر؛ إذ نظرت لإفلات عدوها الاستراتيجي من الصومال-حتى مع هزيمته الظاهرة العسكرية- خوفا من أن تتحول إثيوبيا نحو التركيز على إرتريا وحدها في الصراع داخل الإقليم ،بسبب استمرار التوتر والصراع والمشكلة الحدودية بين البلدين.
الموقف الفرنسي :
تحتفظ فرنسا بوجود عسكري دائم في مستعمرتها السابقة جيبوتي التي حصلت على استقلالها عنها عام 1977، حيث تضم القاعدة العسكرية الفرنسية هناك حوالي 3000 جندي ، و10 طائرات مقاتلة من نوع ميراج 2000 ، إضافة ل 13 مروحية. وقد بادرت باريس إلى التنديد بالهجوم الأريتري على حليفتها ، مؤكدة وقوفها الحازم إلى جانب جيبوتي ، ونيتها تعزيز وجودها العسكري هناك . وهو موقف يعكس المخاوف الفرنسية من تطور المواجهة بين البلدين الجارين ، وخروجها عن نطاق السيطرة، مما قد يهدد النفوذ الفرنسي والمصالح الغربية في جيبوتي ومنطقة القرن الإفريقي بوجه عام
قالت وزارة الخارجية الفرنسية انها تشعر بقلق بالغ إزاء القتال.وأعلنت وزارة الدفاع الفرنسية عن زيادة وجودها العسكري في جيبوتي وزيادة دعمهم للجيش جيبوتي في أعقاب الاشتباكات الحدودية . وقال الاعلان ايضا ان فرنسا " تستعد لنشر قاعدة لوجستية متقدمة وقوة الأرض بالقرب من المنطقة حيث دارت الاشتباكات " ، مضيفا أن " العسكرية كثفت المراقبة الجوية على الحدود لرصد أنشطة القوات الإريترية. " وتشير التقارير أيضا إلى أن القوات البحرية إضافية يتم نقلها إلى المنطقة ، فضلا عن فريق من الجراحين العسكريين إضافية .
عقد وزير الدفاع الفرنسي هيرفيه موران أيضا مناقشات مع وزير الدفاع الجيبوتي Ougoureh Kifleh أحمد ، واعدا لتعزيز الوجود العسكري الفرنسي في البلاد في حالة وجود " تصعيدا في الصف الحدود الحالية. " أيضا للتأكيد مجددا على " قلق كبير جدا من فرنسا" على الحوادث الحدودية الأخيرة، موران ، وفقا ل مصادر دبلوماسية ، قد " طمأن نظيره من الدعم الكامل " لحكومته ، في نفس الوقت يدعو الى تسوية " الدبلوماسية" من هذه القضية. الدولتين لديها اتفاق للدفاع المشترك
موقف الولايات المتحدة الأمريكية:
أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية بيانا صحفيا يدين "العدوان العسكري" لإريتريا قائلا انه يمثل "تهديدا إضافيا للسلم والأمن في منطقة القرن المضطربة بالفعل في أفريقيا" وتدعو إلى إريتريا لقبول وساطة طرف ثالث بشأن النزاع الحدودي.
رغم وجود هذه المميزات الاستراتيجية بالنسبة لموقع جيبوتي، ورغم رغبة جيبوتي الأكيدة في أن تظل مركزاً دولياً لدائرة عملياتية تغطي جانبي البحر الأحمر، إلا أن الولايات المتحدة كما يبدو لا تزال تشك بقدرات جيبوتي لأن تصبح مركزاً دائرياً لاستيعاب تحالف دولي كبير يقع على مسؤوليته مواجهة الأخطار في المنطقة ومراقبة جانبي البحر الأحمر، فضلاً عن الشكوك الأمريكية بهوية جيبوتي كدولة عربية، إضافة إلى وقوعها في دائرة النفوذ الفرنسي، وغير ذلك من الأسباب التي تجعلها محل شك عند الأمريكان.
_ أما بالنسبة لاريتريا، وعلى الرغم من حرص النظام الاريتري على تسويق موقع بلاده للعالم وإبداء المزيد من الاستعدادات لتسخيره في خدمة القوى الدولية، إلا أن أمريكا -وكما هو واضح- لا تطمئن إلى النظام السياسي في إريتريا بحكم تهوره ومشاكسته لجيرانه في المنطقة وتحديداً إثيوبيا الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية.
الاتحاد الافريقي :
حث مجلس السلم والأمن في الاتحاد الأفريقي من إريتريا وجيبوتي إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس وحل الخلاف من خلال الحوار بما في ذلك التعاون الكامل مع بعثة الاتحاد الافريقي أرسلت إلى المنطقة. ومع ذلك، إريتريا، على عكس جيبوتي، لم تقبل بعد هذه المهمة.


الموقف العربي :
هناك استياء عام تجاه السياسة الارترية من قبل بعض الدول العربية الكبرى التي كانت تتعاطف معها  في حربها ضد اثيوبيا ، غير ان ممارسات ارتريا جعلت هذه الدول تقف موقف حرج ، وهي تشاهد ارتريا  تلعب في الصراعات المذهبية بين السنة والشيعة ، إضافة الى الإتهامات التي تواجهها بالمشاركة والتسهيل في عمليات  تهريب الأسلحة الى "الحوثيين" في اليمن بحسب الإعلام اليمني المستقل والمعارض ، وبعض الإعلام السعودي ، رغم نفي  ارتريا على ذلك على الدوام مع انها صاحبة السجلات السيئة والسوابق كافتعال الازمات مع الجيران ، ولم يتبقى لها سوى السعودية التي صدرَت اليها  الان المشاكل عبر "الحوثيين" ، وفي تقديري الشخصي فان دخول ارتريا على خط صراع المذاهب يفقدها الكثير ، وقد أصبحت الآن بلد بلا صديق ، وانه من الأخطاء الإستراتيجية الكبرى اقامة تحالف مع ايران في اطار سياسة التناقض في الوقت الذي تستخدمها فيه اسرائيل كقاعدة تجسس على الدول العربية كالسعودية ومصر واليمن.
تمكنت جيبوتي عبر وفودها التي جابت عدد من الدول العربية من حشد الرأي العام العربي الرسمي والشعبي لمناصرتها مستفيدة من سجلها الخالي من العدائيات مع دول الجوار،واصبحت الصحافة العربية تغدق على إرتريا بالنعوت والأوصاف السالبة من شاكلة ( الدولة المحاربة والمشاكسة) وغيرها بعد أن كانت ناصرتها ردحاً من الزمن في أزمتها الحدودية مع إثيوبيا ودورها في المشكل الصومالي .
نتائج الصراع :
بقراءة كلية لتطورات الأوضاع في المنطقة نستطيع القول بأن إرتريا أرادت توجيه رسائل متعددة من خلال الهجوم، الرسالة الأولى موجهة إلى جيبوتي بسبب استضافتها للمحادثات بين الفرقاء الصوماليين التي توجت باتفاق بما سيفقد إرتريا إحدى الأوراق المهمة التي تستخدمها في صراعها مع إثيوبيا كما أن تصريحات رئيس تحالف المعارضة الصومالية شيخ شريف شيخ أحمد المنتقدة للتدخل الإرتري في شئون المعارضة الصومالية والتي دعا فيها لأن تكون جيبوتي مقراً لانعقاد مؤتمر التحالف القادم بدلاً عن إرتريا قد أُطلقت من منصة جيبوتي فالرسالة الموجهة إلى جيبوتي مفادها إن عليها الإبتعاد من الملف الصومالي .
والرسالة الثانية موجهة أيضاً إلى جيبوتي تأتي في نفس السياق وتهدف للضغط على جيبوتي لإبعادها عن المحور الإثيوبي الأمريكي .
أما الرسالة الثالثة فموجهة إلى إثيوبيا وذلك بالتهديد بقطع طريق صادراتها ووارداتها عبر الموانئ الجيبوتية ويبدو أن اثيوبيا قد التقطت الرسالة بشكل جيد حيث ذكر رئيس الوزراء الإثيوبي بتاريخ 15 مايو الماضي إن التدخل الإرتري في الأراضي الجيبوتي يهدد الأمن والسلام في منطقة القرن الإفريقي وحذر من المساس بحركة صادراتها عبر الموانئ الجيبوتية مبيناً أنهم سيتدخلون عسكريا إذا لزم الأمر للحفاظ على مصالحهم .


استطاعت جيبوتي تحقيق انتصار دبلوماسي مقدر في معركتها مع إرتريا حيث تمددت جيبوتي في الفراغ الذي خلفته أسمرا في المنظمات الإقليمية و استفادت و حضورها الدائب في الإتحاد الإفريقي والإيقاد ( ارتريا لا تحضر إجتماعات الأول بسبب انعقادها في أديس أبابا وجمدت عضويتها في الأخير بسبب موقفه من الأزمة الصومالية) والجامعة العربية والمؤتمر الإسلامي التي تحظى جيبوتي بعضويتها بعكس إرتريا هذا بالإضافة إلى وجود حلفاءها كأعضاء دائمين بمجلس الأمن ( فرنسا وأمريكا ) مما أسهم في تجيير الرأي العام العالمي والعربي والإفريقي لصالحها ،ولم يتوقف الدور الفرنسي والأمريكي عند هذا الحد وإنما تجاوزه -خاصة الدور الفرنسي - إلى المساندة الفعلية عبر الدعم اللوجيستي والمعلوماتي والمؤن العسكرية ونشر القوات ، وفي العموم فإن جيبوتي تحتضن قواعد عسكرية أمريكية وفرنسية مما يجعل البلدان على أهبة الأستعداد للدفاع عنها .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق