الثلاثاء، 9 يونيو 2015

مقارنة بين تجربة الوحدة في السودان و اوروبا

مقارنة بين تجربة الوحدة في السودان و أوروبا
أ ـ عمر يحي أحمد

واقع التجربة السودانية

مرت التجربة السودانية في الوحدة بمراحل عديدة من قبل ظهور الدولة السودانية  المعاصرة حتي مرحلة ما بعد الاستقلال و استمرت هذه المرحلة حتي انتهت باﺑﺮﺍﻡ ﺍﺗﻔﺎﻗﻴﺔ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﺍﻟﺸﺎﻣﻞ ﺑﻴﻦ ﺣﻜﻮﻣﺔ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ ﻣﻤﺜﻠﺔ ﻓﻲ ﺣﺰﺏ ﺍﻟﻤﺆﺗﻤﺮ ﺍﻟﻮﻃﻨﻲ، ﻭﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﻟﺘﺤﺮﻳﺮ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ ﻓﻲ ﻳﻨﺎﻳﺮ .2005 ﻓﻤﻨﺬ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺍﻟﻔﺘﺮﺓ ﺍﻻﻧﺘﻘﺎﻟﻴﺔ ﻭﺍﻧﻔﺼﺎﻝ ﺍﻟﺠﻨﻮﺏ، ﺗﺸﻬﺪ ﺍﻟﺒﻼﺩ ﻣﺂﺯﻕ ﻣﺴﺘﻤﺮَّﺓ ﻭﻣﺘﺘﺎﺑﻌﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﻄﺎﻕٍ ﻏﻴﺮ ﻣﺴﺒﻮﻕ، ﻭﻣﻨﺎﺥ ﺳﻴﺎﺳﻲ ﻣﺤﺘﻘﻦ ﻭﻣﺘﻮﺗﺮ باعتبارها مرحلة تتطلب الاستعانة بنموذج للوحدة مثل تجربة الاتحاد الاوربي

 من أهم الملاحظات في تاريخ التجربة السودانية في الوحدة هو ان ﻫﻨﺎﻙ ﺍﺳﺘﻘﻄﺎﺏ  داخلي ﺣﺎﺩ ﻭﻣﻠﺤﻮﻅ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ، ﻭﺍﻟﻤﻌﺎﺭﺿﺔ ﺍﻟﺴﻠﻤﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﺴﻠﺤﺔ، ﻋﻠﻰ ﺣﺪٍ ﺳﻮﺍﺀ، ﻭﺑﻌﺾ ﻣﻨﻈﻤﺎﺕ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻤﺪﻧﻲ ﻭﺍﻟﺘﻜﺘﻼﺕ ﺍﻟﺸﺒﺎﺑﻴﺔ، ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺃﺧﺮﻯ . مع تزايد ﺍﻻﻧﺸﻘﺎﻗﺎﺕ ﻭﺍﻻﻧﻘﺴﺎﻣﺎﺕ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻷﺣﺰﺍﺏ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ، ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﺤﺰﺏ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﻭﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ، ﻭﺍﻟﺤﺮﻛﺎﺕ ﺍﻟﻤﺴﻠﺤﺔ، ﻭ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﻘﻮﺍﺕ ﺍﻟﻤﺴﻠﺤﺔ ومعظم مكونات منظومة الوحدة السودانية  
                              
وثمة متغيرات تتربع على خارطة الوجود السوداني يتمثل في ﺗﻨﺎﻣﻲ ﺍﻟﻮﻻﺀ ﺍﻟﻘﺒﻠﻲ ﻭﺍﻟﻌﺮﻗﻲ، ﻭﻇﻬﻮﺭ ﺍﻟﺠﻬﺎﺩﻳﻴﻦ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺎﺕ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺍﻟﻤﺘﻄﺮِّﻓﺔ ﻭﺗﺼﺎﻋُﺪ ﻧﺸﺎﻃﺎﺗﻬﻢ ﺍﻟﻌﻨﻴﻔﺔ ﻭﺍﻟﻤﺮﻋﺒﺔ . ﻭﻳﺘﺠﻠﻰ ﻫﺬﺍ في اشتعال ﺍﻟﻨﺰﺍﻉ ﺍﻟﻤﺴﻠﺢ ﻭﺗﺪﻫﻮﺭ ﺍﻟﻮﺿﻊ ﺍﻷﻣﻨﻲ ﻓﻲ ﺩﺍﺭﻓﻮﺭ ﺑﻮﺗﻴﺮﺓ ﻣﺘﺴﺎﺭﻋﺔ، ﻭﺍﻟﺤﺮﺏ ﺍﻟﺪﺍﺋﺮﺓ ﻓﻲ ﺟﻨﻮﺏ ﻛُﺮﺩُﻓﺎﻥ ﻭﺍﻟﻨﻴﻞ ﺍﻷﺯﺭﻕ، ﻭﺗﺮﺩِّﻱ ﺍﻷﻭﺿﺎﻉ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻭﺗﻔﺸﻲ ﺍﻟﻔﺴﺎﺩ، ﻭﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺍﻟﻤﺘﻮﺗﺮﺓ ﻣﻊ ﺍﻟﺠﻨﻮﺏ و دول الجوار ﻭﺷﺒﺢ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﻳﻠﻮﺡ ﻓﻲ ﺍﻷﻓﻖ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺴُّﻮﺩﺍﻧَﻴْﻦ، ﻭﻓﻮﻕ ﺫﻟﻚ ﻛﻠﻪ، ﻛﻴﻔﻴَّﺔ ﺍﻟﺘﻌﺎﻣُﻞ ﻣﻊ ﺍﻟﻤﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﺠﻨﺎﺋﻴَّﺔ

معوقات تطبيق التجربة الأوروبية في السودان

هنالك عدد من الاعتبارات التي يمكن تعيق تطبيق تجربة النموذج الاوروبي في السودان يمكن تلخيصها في الاتي :
1.                ﺗﺼﺎﻋﺪ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟمسلح و العمف و ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺸﻤﺎﻝ ﻭﺍﻟﺠﻨﻮﺏ ومناطق النيل الازرق و جنوب كردفان
2.                ﻏﻴﺎﺏ ﺍﻟﺘﻮﺍﻓُﻖ ﻭﺍﻟﺮﺅﻳﺔ ﺍﻟﻤﺸﺘﺮﻛﺔ ﻟﻠﻘﻮﻯ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ السودانية ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﺿﺔ مما يجعله ﻳﺤﻤﻞ ﻣﺆﺷﺮﺍﺕ ﺗﻨﺬﺭ ﺑﺘﻔﺘﺖ ﺍﻟﺴُّﻮﺩﺍﻥ . ككل
3.                لاتوجد بالسودان ﻣﺆﺳﺴﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﺷﺮﻋﻴﺔ ﻭﻣﺘﻤﺎﺳﻜﺔ يمكن من خلالها الانطلاق نحو الوحدة  ﻭﺍﻻﻓﺘﻘﺎﺭ ﺇﻟﻰ ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﻘﻀﻴَّﺔ ﻭﺍﻟﻬﺪﻑ ﻭﺍﻷﺳﺎﻟﻴﺐ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻘﻮﻯ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴَّﺔ، ﻭﻣﺎ ﻧﺸﻬﺪﻩ ﻣﻦ ﺍﺳﺘﻘﻄﺎﺏ ﺳﻴﺎﺳﻲ ﺑﻴﻦ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﺍﻟﻤﺘﺼﺎﺭﻋﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ، ﻳﺠﻌﻞ ﺍﻟﺨﻂ ﺍﻟﻔﺎﺻﻞ ﺑﻴﻦ ﺳﻘﻮﻁ ﻨﻈﺎﻡ حكم قائم الآن ﻭﺗﻔﻜﻚ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺭﻓﻴﻌﺎً ﺟﺪﺍً .
4.                ﺍﻟﺘﻬﻤﻴﺶ ﻭﺍﻟﻤﻈﺎﻟﻢ ﺍﻟمتجسدة  ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺮﻛﺰ ﻭﺍﻟﻤﻨﺎﻃﻖ المهمشة بالاضافة الي  ﺍﻟﻐُﺒﻦ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﻭﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻟﻠﻔﻘﺮﺍﺀ ﻭﺍﻟﻤﺴﺘﻀﻌﻔﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﻛﺰ ﻧﻔﺴﻪ، ﻣﻤﺎ ﻳﻬﺪِّﺩ ﺑﻨﺴﻒ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ

كيفية تطبيق نموذج الأوروبي في السودان

مقارنة بين خصائص التجربتين السودانية و الاوربية

أخذت إستراتيجية بناء الوحدة الأوروبية ثلاث خصائص رئيسية.
1.    تمثلت الأولى في الانطلاق من القضايا الصغرى والجزئية إلى القضايا الكبرى والإستراتيجية
2.    تمثلت الثانية في عدم النظر إلى قضية الوحدة كمعطى يجب التسليم به منذ البداية، وفرضه في الممارسة اليومية على جميع الدول الداخلة في الاتحاد أو المرشحة له، بقدر ما ظل قيمة عليا يمكن للدول الأعضاء أن تصل إليها بمحض إرادتها ومن خلال تفاعلاتها البينية.
3.    تمثلت الخاصية الثالثة في اعتماد إستراتيجية الدمج التي تميزت بها تجربة الاتحاد الأوروبي، ونجاحه في امتلاك هذا القطب المغناطيسي الجاذب والقادر على دمج دول داخل قطار الوحدة الأوروبية، يبذل في هذه العملية جهدا متبادلا بين الدول التي أسست الاتحاد الأوروبي وبين الدول المرشحة للانضمام إليه.

خصائص الوحدة و الاتحاد في السودان

تقابل هذه الخصائص المميز للتجربة الأوروبية في الوحدة ثلاثة ﺳﻴﻨﺎﺭﻳﻮﻫﺎﺕ ﻟﻠﺘﻐﻴﻴﺮ والوحدة للسودانية كدولة لتطبقها و مقارنتها بالنموذج الاوروبي وهي :

. ﺍﻟﺴﻴﻨﺎﺭﻳﻮ ﺍﻷﻭﻝ :
 ﺍﻹﺑﻘﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺿﻊ ﺍﻟﺮﺍﻫﻦ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﻤﺮَّ ﺍﻟﻮﺿﻊ ﺍﻟﺮﺍﻫﻦ، ﻭﻟﻮ ﺑﺘﻐﻴﻴﺮﺍﺕ ﺑﺴﻴﻄﺔ ﻭﺳﻄﺤﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟدولة ﻭﺍﻟﻤﻮﺍﻗﻊ ﻭﺑﻌﺾ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺎﺕ، ﺍﺳﺘﺠﺎﺑﺔ ﻟﻨﺪﺍﺀﺍﺕ ﺍﻹﺻﻼﺡ ﻣﻦ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﺤﺰﺏ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﺩﻭﻥ ﻣﺴﺎﺱٍ ﺟﻮﻫﺮﻱ ﺑﺒﻨﻴﺔ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﻭﺗﺮﻛﻴﺒﺔ ﺍﻟﺤُﻜﻢ و المجتمع السوداني .

ﺍﻟﺴﻴﻨﺎﺭﻳﻮ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ : ﺗﻔﻜﻚ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ
ﻳﻔﺘﺮﺽ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﻴﻨﺎﺭﻳﻮ ﺗﺼﺎﻋُﺪ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﻤﺴﻠَّﺢ، ﻓﻲ ﺷﻜﻞ ﺣﺮﺏ ﺍﻟﻌﺼﺎﺑﺎﺕ، ﺃﻭ ﺍﻟﺰﺣﻒ ﻋﻠﻰ ﻣﺮﻛﺰ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ، ﺑﻬﺪﻑ ﻣﻤﺎﺭﺳﺔ ﺿﻐﻮﻁ ﻣﺘﻮﺍﺻﻠﺔ، ﺟﻨﺒﺎً ﺇﻟﻰ ﺟﻨﺐٍ ﻣﻊ ﺟﻬﻮﺩ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﺿﺔ ﺍﻟﺴﻠﻤﻴﺔ، ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮﻡ ﺑﻬﺎ ﺑﻘﻴﺔ ﺍﻟﻘﻮﻯ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻧﻴﺔ،

ﺍﻟﺴﻴﻨﺎﺭﻳﻮ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ : ﺍﻟﺘﺴﻮﻳﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﺸﺎﻣﻠﺔ و تطبيق التجربة الأوروبية في السودان

ﻫﺬﺍ ﻫﻮ ﺍﻟﺴﻴﻨﺎﺭﻳﻮ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪ ﺍﻟﺬﻱ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻪ ﺃﻥ ﻳﻨﻘﺬ ﺍﻟﺒﻼﺩ ﻣﻦ ﺍﻻﻧﺰﻻﻕ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﻮﺿﻰ، ﻭﻳﺤﻮﻝ ﺩﻭﻥ ﺍﻧﻬﻴﺎﺭ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ، ﻭﻳﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ ﻭﺣﺪﺓ ﺃﺭﺍﺿﻲ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ . ويفرض ﺃﻥ ﻳﺘﻢ ﺍﻟﺘﺤﻮُّﻝ ﺍﻟﺪﻳﻤﻘﺮﺍﻃﻲ ﺳﻠﻤﻴﺎً ﺑﺘﻮﺍﻓُﻖ ﻛﻞ ﺍﻟﻘﻮﻯ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ، بصورة تؤدي الي تطبيق النموذج الاوربي في السودان وذلك من خلال الاتي :
1.    ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺗﺸﻜﻴﻞ ﺣﻜﻮﻣﺔ وطنية شاملة هدفها الوحدة و تطوير السودان ككل ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﺳﺘﻴﻌﺎﺏ ﺍﻟﻘﻮﻯ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻟﺪﻳﻬﺎ ﺍﻟﺜﻘﻞ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻭﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻭﺗﺘﻤﺘﻊ ﻗﻮﺍﻋﺪ ﺷﻌﺒﻴﺔ،
2.    ﺍﻻﺗﻔﺎﻕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻋﻠﻰ ﺑﺮﻧﺎﻣﺞ ﻭﻃﻨﻲ ﻳﺠﻤﻊ ﻛﻞ ﺍﻟﻘﻮﻯ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ، ﺟﻨﺒﺎً ﺇﻟﻰ ﺟﻨﺐ
3.    ﻭﺍﻹﺷﺮﺍﻑ ﻋﻠﻰ ﺗﻨﻔﻴﺬ ﺍﻻﺳﺘﺤﻘﺎﻗﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﺒﻘﻴﺔ ﻹﻧﻔﺎﺫ ﺍﻟﺘﺤﻮُّﻝ ﺍﻟﺪﻳﻤﻘﺮﺍﻃﻲ، ﻭﺍﻟﺘﻮﺻُّﻞ ﺇﻟﻰ ﺗﺴﻮﻳﺔ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﻋﺎﺩﻟﺔ ﻟﻠﻨﺰﺍﻉ ﻓﻲ ﺩﺍﺭﻓﻮﺭ  شرق السودان

قراءة لمستقبل التجربة الاوروبية و السودانية

 أبرز ما ميز تجربة الاتحاد الأوروبي عن تجربة السودان ان حدثت أنها كانت محاولة مستمرة لصناعة كيان لم تكن المؤشرات الأولى تدل على أنه قادر على النمو والاستمرار، بل ومثل نموذجا مختلفا وفريدا في تاريخ تجارب الوحدة في العالم أجمع، في مقابل نماذج الفشل في العالم العربي، ونماذج التجارب الساكنة التي ورثت أوضاعا مستقرة
وتبقى عملية التطور البناء من أبرز سمات التجربة الأوروبية، والتي تحولت فيها من سوق تجارية إلى مجموعة اقتصادية سياسية ثم إلى اتحاد. ونجحت في تقديم رؤى سياسية قادرة على التأثير في كل مرحلة، ودفعها إلى الأمام بصورة لم تكن نقطة البداية التي انطلقت منها تبشر بالوصول إلى الخطوة التالية.
أخذ الحيز الثقافي في التجربة الأوروبية أبعادا مركبة تحمل كثيرا من التعقيد والخصوصية علي السواء، فمن ناحية احتوت الثقافة الأوروبية علي مكونات مشتركة كثيرة وعرفت خبرتها الثقافية في القرون الوسطي وأثناء عصور النهضة تجارب متشابهة.
فإن الاقتراب من التجربة الأوروبية في التكامل يؤكد أنها امتلكت مكونات ثقافية وتاريخية مشتركة كثيرة، ولكنها عرفت في تجاربها وخبراتها الاجتماعية والسياسية الكثير من الصراعات التي حجبت في كثير من الأحيان رؤية هذه المكونات الثقافية المشتركة، كالحروب بين البلدان الأوروبية، أو القطيعة مع باقي الجيران الأوروبيين كما حدث مع بلدان أوروبا الشرقية.
من الصعب اعتبار تجربة الوحدة الأوروبية تجربة وحدوية بنفس المعني في السودان تماما مثلما لانها نتاج للفكر القومي الأوروبي. فقد انطلقت، على عكس التجربة السودانية، من الواقع العملي والمؤسسي المعاش من أجل بناء الكلي والعام المتمثل في الوحدة الأوروبية. هذا الوضع لم يعن بأي حال من الأحوال غياب تصور سياسي ومشتركات ثقافية تجمع بين دول القارة العريقة، بل علي العكس فقد شكلت الرؤية السياسية الشاملة والتاريخ الثقافي المتقارب الإطار العام الديناميكي الذي تحرك في إطاره مشروع الوحدة الأوروبية.
وهنا يكمن الفارق بين تجربة الوحدة الأوروبية و التجربة السودانية فأوروبا لم تتعال عن تفاصيل الواقع المعاش، ولم تتجاهل منذ البداية التباينات، بل وأحيانا التناقضات، الموجودة بين كل دولها تحت شعارات الأخوة الأوروبية أو المصير والتاريخ الأوروبي المشترك، إنما اعترفت بها واعتبرت التعامل الواقعي معها هو نقطة الانطلاق لتأسيس مشروع الوحدة الأوروبية، الذي لم يحكمه الشعار الأيديولوجي إنما الإنجاز الاقتصادي والاجتماعي والثقافي الذي حكمه إطار وتصور سياسي رحب، وليس نصا أيديولوجيا مغلقا.
وفي هذا السياق، وعلي خلاف ما يروج له البعض، لم تنح تجربة الاتحاد الأوروبي الثقافي والسياسي والاستراتيجي من مشروعها، بل علي العكس فقد وضعتها في الإطار الرحب والعام، أي الإطار الصحيح، لكي يشكلوا قوة دفع تساعد على إنجاز التفاصيل الوظيفية والمؤسسية للتجربة لا تحويرها لتدخل قسرا داخل السياسي والأيديولوجي. ولعل هذا ما جعل مشروع الوحدة الأوروبية منذ انطلاقه في عام 1957 محاولة دائمة لصياغة واقع أوروبي جديد ينحو بشكل متدرج نحو الوحدة، ويعمل علي بناء معايير أوروبية شبه موحدة تحاول كل دولة أوربية أن تكيف نظمها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وفقا لها.
تميزت تلك المعايير بأنها تدخل مباشرة في نسيج المجتمع، وتعمل على ضبط أداء مؤسساته وفق معايير تفصيلية شاركت في صياغتها الدول الأوروبية، فهناك معايير سياسية تخص قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، وأخرى اقتصادية لا تتعلق فقط بمستوي معين من النمو الاقتصادي، وإنما أيضا بقوانين تخص الإعفاءات الجمركية بين الدول الأعضاء والسوق المشتركة، وبقوانين تنظم تصدير الحاصلات الزراعية بين الدول الأعضاء وعملية صيد الأسماك، وأخيرا قوانين تنظم حرية المعلومات والإعلام والأنشطة الثقافية والتعليم.
وهكذا، كانت قوانين تجربة الاتحاد الأوروبي مصوبة أساسا نحو المجتمع، ولم تكن مشروعا فوقيا يضع أهدافا سياسية عليا منعزلة عن الواقع المعاش منا هو الحال في الواقع السوداني . بل على العكس، فقد حاولت التجربة الأوروبية أن تحول مشروعها السياسي إلى قضية مجتمعية، يساهم المواطنون في بلورته. وأصبحت قضية الوحدة بعيدة عن كونها قضية إستراتيجية عليا تخص النخبة، إنما هي قضية شعوب، وبالتالي خاطبت منذ البداية مصالحهم وسعت إلى التعبير عنها ونجحت إلى حد كبير في دمج القيمة العليا المتمثلة في الوحدة الأوروبية في الواقع والهموم اليومية المعاشة.
وفي المقابل، بدت تجربة الوحدة السودانية ، وكأنها قضية نخبوية تعالج القضايا الكبرى للأمة السودانية كالنهضة  و السودنة و نيل الاستقلال و انفصال الجنوب و امكانية الصراع المحتمل كما أمتدت لتشمل القضايا السياسية الكبرى مثل تحرير فلسطين وبناء دولة الوحدة. وبدت وكأنها لا يعنيها منذ البداية مصالح الأفراد أو المواطنين  السودانين الذين يفترض أن يستهدفهم هذا الخطاب.
إن هذه المفاهيم السياسية في اتجاه الوحدة السودانية أدت بها إلى الانتكاس والتراجع، لأنها اختزلت نفسها في الأدبيات الأيديولوجية مثل التعريب و الاسلمة و المشروع الحضاري  دون أن تحاول الاقتراب من الواقع ولم تتخذ النخب السياسية السوداني بالاعتراف بالمواقع الذي به تباينات كثيرة على المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية و الدينية و، وأن الاعتراف بهذه التباينات يفتح الباب أمام اكتشاف الوسائل المناسبة لتقليصها، عبر بناء مشروع للوحدة من أسفل
بالرغم من ان السودان له تاريخ و ارث حضاري قديم لم يسهم ذلك في انتاج وعي بالوحدة و الاتحاد أما في الحالة الأوروبية فقد تم صناعة الوحدة، عبر صناعة الوعي بها مع البدايات المبكرة للحديث عن الوحدة الأوروبية والوعي الأوروبي.
 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أ ـ عمر يحي أحمد 
 جامعة الزعيم الأزهري كلية العلوم السياسية و الدراسات الإستراتيجية ـ السودان


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق