الثلاثاء، 9 يونيو 2015

تساؤلات حول الفلسفة العقلية

تساؤلات حول الفلسفة العقلية
* أ ـ عمر يحي أحمد


هل يولد عقل الإنسان مع الإنسان أم يولد الإنسان مع العقل ام يظل ساكنا فيه وما معه من معرفة أو وسيلة تفكير ، ودون فـكـر أو قــوة إدراك ، لا يعرف نفسه بنفسه وما هو بشيء بين الأشياء ، يُعتنى به بالعلم والتفكير دليــله ، والحقيقة مبتغاه ، وأي حقيقة هي؟ حقيقة مجهولة ، يسعَى الإنسان أن يبعد عقله عن الجهل والأمية ، فينطلق باحثا مفكرا بعقله في عقله و بتفكيره لعله يجد نفسه في نفســه أو علماً في عقله فاذا كان في عقل الإنسان علم وفكر فلماذا يفكر بعقله، اويحاول ان يفهــم ما حــولــه بدقة ، فلا يجد حلا قريبا لأن الطبيعة علمته أنما هو فيها متمتع بما فيها دون أن يتعرف على نفسه ، فيريد تركها ليفكر في داخله ، في عقله و ما هو عقل الإنسان وما هو الإنسان .
أن للعقل مراتب كثيرة و ان للإنسان إختلافات متفقة ، وأن في العقل صورة للطبيعة التي أراد الإنسان ان يخرج مـنها ، و صورة أخرى في ما وراء الطبيعة والتي جعلته بفكره منحصرا فيها ، إلا أن هذه الطبيعة غير منحصرة كالأولى ، إذ بالـخــيــال يسبح فيها دون أجنحة ، ويجد فيها صحراء أخرى وشمسا وقمرا وأشجاراً بفاكـهـة لا يــأكــل منها وإن أكل فبخياله ، وإن تطور فبفكره . وجد أن عقله منحصر بخياله فـي خــيـالــه وفــي الطبيعة التي يعيش فيها .
تعلم الإنسان من الطبيعة الثانية التي في عقله بفكره أنه يعيش فيــها بتفكيره وخياله ولم تعرف الإنسان على نفسه ولا على عقله ، ولا يجيب العــقــل أبــدا عــن تــســاؤل الإنسان ، إذ الــعــقــل هو السؤال في الإنسان كما أن الإنسان هو السؤال في الحياة . فـكـيـف الجواب على سؤال بسؤال؟
إنه لحق إذ تميز الإنسان بالعقل ولكن العقل كان أساس تمييزه على أنه إنسان بعقله فقط ، كما تعلم بتمييز عقله أنه في حمقه وجهله بفقد تمييز فكره ، وقد انطلق منذ بدايته باحثا عن المعرفة لتنمية أفكاره ، وكان بحثه دليلا على جهله . إن الجهل أول شيء يعرِّف بالعلـم ، واخــتــلاف العلم أول دليل على الجهل ، ثم إن العلم منحصر فيما يتوصل إليه الإنسـان مــن مــعــرفــة ،فهل الإنسان يفكر بالعقل أم العقل هو من يفكر بالإنسان وبانحصارهم ينحصر التفكير إذ أن التفكير يعيش كالإنسان في عالم العلم و المعرفة فيقف العقل حائرا في عالمه كما يقف الإنسان حائرا في طبيعته لماذا ؟
إن الحيرة والتساؤل أول راية حملها الإنسان منذ نشأته ، حملها بجهل إذ كيف يحير ويتساءل وهو معترف بقوة عقله و جاهل بحقيقة عقله ، وأنه يعرف الخطأ والصواب بمجرد ما يكتسبه من تـجــربــة . وإذا عرف الإنسان جهله فقد عرفه بعلم ، وهو يكتشف الجهل بما لديه من علـم والخطأ بــمــا لديه من صواب ، وهذا دليل أنه ليس لديه علم عن الجهل ، ولا علم عن العلم .
ثــم ألا يــمكــن أن يكون الإنسان عالما بالجهل فقط؟ لأنه لا يجد الحلول الكاملة لأسئلته ، وأنـه إنــما يــســعَى لإقناع نفسه بما يعرف ، ويحصر المعرفة فيما لديه من علم ومعرفة خوفا من تعقيـد الأشــيــاء وفقدان صفة التميز بالعقل انها منظومة للهيمنة الدوماغية العقلية باعتبار ان الإنسان في صراع مع عقله كما ان العقل يتصارع مع الأنسان و المجتمعات تتصاع فيما بينها بين الطبيعة و ما وراء الطبيعة وطبيعة قوى الطبيعة فهل الإنسان يمتلك عقلاً أم ان العقل هو من يمتلك الإنسان ولماذا ؟
يمكن أن تحل إشكاليات العقل البشري عندما يصبح الفكر الإنساني سابق لوجود الإنسان وليس أسبقية وجود الإنسان قبل الفكرة ولما لم تحدث هذه الفرضية فقد ارتكس الإنسان كآلية للتفكير في حمأة الجاهلية والبدائية المتفزيقية بصورتيها البسيطة و المركبة، ملأت الهواجس والأوهام اللاهوتية قلبه وعقله واستبد به الخوف من الظواهر الطبيعية وقوى الطبيعة برقا ورعدا وخسفا وزلازل وعواصف ، وأخذ به الرعب والرهبة من الموت والمصير والمجهول كل مأخذ ، فأقبل الإنسان على نفسه ينسج لها استجلابات للطمأنينة ، و خيالات للتصورات والأساطير والخرافات .
فتراكم بذلك لدى البشرية على مر السنين ، تراث ضخم من المعتقدات السابقة للفكر الإنساني و التي اتخذت فيما بعد مادة للتفكير والاستقراء ، والبحث عن الذات أصلا ومآلا، وعن الكون والطبيعة و ما وراء الطبيعة ماضيا ومستقبلا . ثم تحول هذا التراث العقلي إلى قاعدة للفكر الديني الوضعي المفضي إلى عبادة الأوثان والنجوم والكواكب ، واتخاذها آلهة 
ثم بعد ذلك اتُخذت هذه المعتقدات الدينية منطلقا ومادة للتفكير الفلسفي الذي نُقل إلى اليونان وتطور فيه وظل مجردا من أهم أداتين للفهم هما :
فلسفة المعرفة المادية الصحيحة لحقائق الطبيعة بسبب التخلف العلمي آنذاك و فلسفة المعرفة الغيبية اليقينية .
أن ما ذهب إليه أفلاطون في مدينته الفاضلة التي اتخذت مظهرا خياليا قوامه اعتبار السلطة عملا معجزا لا يستطيع القيام به إلا أفراد ملهمون ، لهم على بني جنسهم تميز خاص يصلهم بالعقل الفعال ويجعلهم قادرين على تحقيق السعادة لشعوبهم ثم تطور الفكر السياسي الأرسطي باستحداثه فكرة الدولة الدستورية ، التي تبنى علاقات شعبها بالحاكم على أساس الحرية والمساواة والمواطنة المشتركة بين أحرار ؛ مما جعل الدولة مجرد اتحاد أفراد في مجتمع واحد تحت حاكمية القانون الذي حل محل الملك أو الفيلسوف أو النبي . وما سار عليه الفكر السياسي الروماني الذي ميّز بين الدولة والفرد ، وجعل لكل منهما حقوقا وواجبات ، وبلور فكرة سيادة الدولة ونظرية العقد الإجتماعي ، ونظرية القانون الطبيعي التي وضعها " شيشرون " على أساس أن للكون خالقا واحدا ، وأن للدولة قانونا واحدا يجب أن يطبق على الجميع .
أن الفكر البشري عامة والسياسي خاصة منبثق من الخرافة والأساطير والأوهام اللاهوتية و المتفزيقية وعلى هذه الأساس نشأ الفكر الفلسفي وتطورت، مادة بحثه لخيالات البشر وأساطير الخرافة وأوهام مفتقدا لأهم وسائل الاستقراء والدراسة والفهم وعاجزا عن تحقيق هدفه في كشف حقيقة الكون وطرق السعادة إن هذه المعتقدات هي المنشأ الأول والمبدأ الأساس لكل فلسفات البشرية الوضعية في فترة ما قبل اليونان و على هدي هذه المعتقدات الدينية المتفلسفة والتصورات المضطربة ، سار الفكر السياسي وعلى أركانها تأسس لمفاهيم الدولة والعدل والحياة السعيدة و المساواة و الواقع ان هذه المفاهيم نفسها أصبحت مفاهيم يوتوبيا متصورة الوجود في عقلية الإنسان مختفية الامتثال في الواقع وذلك لانها أفكار جاءت بعد وجود الإنسان وهنا أصبحت إشكالية و لا يمكن أن تحل إشكاليات البشرية والعقل البشري إلا عندما يصبح الفكر الإنساني سابق لوجود الإنسان
.ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أ ـ عمر يحي أحمد 
جامعة الزعيم الأزهري ، كلية العلوم السياسية و الدراسات الإستراتيجية 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق