الخميس، 27 نوفمبر 2014

مفهوم القرن الافريقي


     أطلق اللاتينيون اسم أفريقيا لأول مرة علي القارة في النصف الأول من القرن الثامن عشر قبل الميلاد ، وهم يقصدون به الجزء الذي يحكمه الفينيقيون آنذاك ، كما أطلق عليه الجغرافيون العرب نفس الاسم وكانوا  يقصدون به تونس فقط(1) ، تعد القارة الأفريقية هي القارة الثانية بعد قارة آسيا من حيث المساحة والسكان ، تبلغ مساحتها نحو( 30,420000 )كيلو متر مربع ، عدد سكانها حوالي (600,000,000 ) مليون نسمة ، تمثل خمس مساحة العالم ، وتضم حوالي 54 دولة (2).

    تتوسط القارة بين قارتين هما آسيا وأوروبا مباشرة والأمريكتين من جهة أخرى ، كما تمثل أفريقيا مجموعة من الأثنيات والعرقيات المختلفة التي هاجرت من مناطق أخرى إلي القارة عبر الفترات المختلفة حتي إستقرت في المنطقة ثم تزاوجت مع سكان المنطقة الأصليين ، وكونت مجموعة عرقية متميزة لها خصائصها وعاداتها التي تضمن لها خصوصيتها وتميزها، من الناحية اللغوية توجد في القارة الأفريقية العديد من اللغات العالمية والمحلية واللغات السامية ، من حيث الأديان فقد عرفت القارة الأفريقية جميع الديانات السماوية : اليهودية ، والمسيحية ، والإسلام ، وتوجد بعض المعتقدات المحلية ، عبر القرون المختلفة شهدت القارة العديد من الثقافات والأفكار الوافدة وتلك الثقافات التي تطورت زاتياً.

     تعد القارة الافريقية من أهم مناطق المواد الخام والموارد الطبيعية في العالم ، ففي أفريقيا يوجد أكبر وأطول الأنهار العزبة في العالم وهو نهر النيل بلإضافة إلي الأنهار                                                          الأخرى كما تعد من مناطق إنتاج النفط و الغاز الطبيعي، والمعادن من ذهب ،  وحديد ،                             ونحاس ، اللمونيوم ، وغيرها من المعادن والثروة الحيوانية الضخمة التي تتمتع بها و تزخر القارة الأفريقية بوفرة وتعدد المناخات البيئية والزراعية والأراضي الصالحة للزراعة ، نسبة لهذه الإمكانيات الكبيرة والموارد الضخمة ، والموقع الأستراتيجي لها بين المواقع ؛  فقد شهدت تصارع وتنافس بين القوى الكبرى التي حاولت كثيراً أن تستغل هذه الحقائق الطبيعية والبشرية وأن تتخذ منها زريعة لتمزيق القارة سياسياً بقدر المستطاع( 1 ).

       تتخذ طرق قد تختلف في وسائلها ومراحلها لكنها تتقف في  جوهرها وغاياتها ، وهي تحقيق المصالح الحيوية لها ، وهذا يفرض عليها أن تتصارع تارة وأن تتعاون فيما بينها تارة أخري ، بإعتبار وحدة الغاية وتكامل الهدف ، " وتنافس القوى الإستعمارية الأوربية مثل بريطانيا، وفرنسا ، والمانيا ، وايطاليا والبرتقال ، واسبانيا ؛ من أجل تقسيم القارة فيما ربينهم  ...  لتحصل كل وأحدة منا علي قطعة معينة من أفريقيا " ( 2 )، ومن هنا  ظهر القرن الأفريقي كقطعة جغرافيا وإستعمارية.

القرن الأفريقي :
      المسميات المكانية للظواهر تنبع  في الأساس من الخاصية التي تتميز بها الظاهرة  أو المعين الثقافي الذي يشكل الإطار العام للمجتمع المحيط بالظاهرة التي تكون في صلة اتصال وتواصل وتأثير وتأثر ،  قد يأخذ أبعاد زمانية ومكانية وكمية ونوعية عبر الفترات المتواصلة ، لذا لم يكن القرن الأفريقي بمعزل عن هذه القاعدة ، فالقرن الأفريقي له خصائصه ومميزاته التي يمكن أن  يتخذ منها وصفاً أو اسماً يطلق  عليه . " يُعرف  القرن الأفريقي علي إنه المنطقة التي يسكنها الصوماليون  وإن تعددت اوطانهم ويرجع سبب تسميته بهذا الاسم إلي إمتداده داخل مياه المحيط بشكل يشبه قرن وحيد القرن الحيوان الافريقي المشهور "(2) ،  وهو بهذا الشكل " يطل علي الخليج العربي  ، وخليج عدن ومضيق باب المندب كما أنه هو الوحيد  الذي يربط بين المحيط الهندي و البحرالأبيض المتوسط "(3) .
 
    تشكل القرن الافريقي  نتاج لحركة اتصال وتواصل  بين المناطق المحيطة به والإمتداد السكاني والجغرافي لقارة آسياء ، تشير بعض الدراسات إن منطقة القرن الافريقي  خصوصآ و قارة أفريقيا عمومآ  تعد من المناطق الأستراتيجية في العالم ، وهي من المناطق التي قامت فيها حضارات عريقة ضاربة في جزور التاريخ وحركته ، كما شهدت سلسلة من الحروب والصراعات بين حيزها الجغرافي وإمتداها الاقليمي ، يرى علماء الجيولوجية أن منطقة قارة أفريقيا ومنطقة القرن الأفريقي كانت متصلة ككتلة وأحدة مع قارة آسيا فحدث إنشقاق للأرض وظهر البحر الاحمر " بالرغم من تباين أراء الواصفين لمنطقة القرن الأفريقي الا أن خلاصة تعريفاتهم لا تخرج عن كونها الجزء الذي يحتل المساحة الواقعة علي الساحل الشمالي الشرقي لأفريقيا "(1) .

 إشكالية فقه المصطلح

     تُحاط منطقة القرن الأفريقي بكثيرمن المشاكل متعددة الإتجاهات متداخلة الأسباب مُتصلة العوامل ، متفقة الأهداف ، ومشكلات القرن الأفريقي لاتقتصر علي الجوانب المادية فقط من صراع دولي وتدخل عسكري وحروب إقليمية ، بل تعدت الإطار الأولي لتتصل بكينونة المنطقة وهُويتها، وخصوصيتها الذاتية التي برزت من إشكالية تحديد مفهوم القرن الأفريقي ، فماهو القرن الأفريقي ؟ وماهي حدوده ؟  ومما يتكون القرن الأفريقي ؟.
    تشكل عملية تحديد مفهوم الظاهرة المراد دراستها أو تحليلها أحد عناصر حل الأزمة لذا يحرص الباحثين علي تعريف الظاهرة من مختلف أبعادها أولاً قبل دراستها ،  فكثيراً ما تشير إشكالية فقه المصطلح أو المفهوم أحد أبعاد المشكلة.

الدلالة اللغوية للقرن الأفريقي

    المدلول اللغوي لكلمة ( قرن ) في اللغة العربية يشير إلى كثير من المعاني منها :
أولاً : القرن هو الخِصلة من الشعر ويقال له قرنان : أي خصلتان .
ثانياً : لقب لشخص ورد زكره في القرآءن الكريم .(*)
ثالثاً : القرن هو ما يساوي مائة سنة .
رابعاً : تعني كلمة قرن في اللغة العربية معاني كثيرة حسب الإشتقاق اللغوي ، وقرن من رأس الإنسان جانب وموضع ، وأقرن  جمع بين شيئين ، وتقارن أي تلازم ، ومقارنة أي مفاضلة بين شيئين ، ووحيد القرن(*) لأن له قرن وأحد في مقدمة رأسه(2) ، من خلال الدلالة اللغوية لمفهوم القرن يتضح أن مفهوم القرن الأفريقي يشير إلي : إقترانه بالبحر الأحمر ، أو إقترانه بجزء من قارة آسيا ، يزهب كثيراً من العلماء إلي أن القرن الأفريقي سمي بهذا الاسم لبروزه في شكل يشبه وحيد القرن الحيوان الأفريقي المشهور(1) .

أبعاد مفهوم القرن الافريقي
   
     لم تتفق وجهات النظر والدراسات العلمية حول منطقة القرن الأفريقي على إيجاد مفهوم وأضح ووأحد للقرن الأفريقي وإطارة الجغرافي ، أو الدول التي يتكون منها ، التتبع التاريخي لتطور مفهوم القرن الافريقي يشير إلي إن مفهوم القرن الافريقي أخذ ثلاثة أبعاد رئيسية :
أولاً : القرن الافريقي عرقياً

   وفقاً لهذا البُعد " يٌعرف القرن الأفريقي على إنه المنطقة التي يسكنها الصوماليون وإن تعددت اوطانهم " (2) هذا يوضح أن القرن الأفريقي مفهوم يشير إلي القبائل أو العرق الصومالي، ويصبح تعريف القرن الأفريقي بأنه تلك المنطقة التي تتكون من القبائل الصومالية الأتية:

1/ قبيلة الهاوية
    وهي تمتد من نهر( الشبيلي) ، ومدينة هوبيا علي ساحل المحيط الهندي ولها إمتداد داخل الصومال .
2/ قبيلة دارووت
      تسكن مديرية باري ونوحال وأجزاء من الاوغادين .
3/ قبيلة اسحاق
     تمتد من وسط وشرق جبيلي غربآ ومديرية هرجيسا وتوجد طير ، والجزء الغربي من سناج ، كما تمتد تحركاتهم إلي مناطق أخرى .
4/ قبيلة الراحنوين وديجل ومرفلة
  تمتد من نهر سبيلي وجوبا ، وشرق جيدو
5/ قبيلة دايري والعيسي والجربيرس وبيمال
   تسكن غربي الصومال الشمالي ، ومنطقة هرر في أثيوبيا إلي جيبوتي.
6/ قبيلة السب
        وهي تشمل اليبيرو ، و المرجان ، والتمال ، وموسي ، ودريو (1).
  إن تحديد مفهوم القرن الأفريقي من منظور عرقي يصنع منه كياناً أوسع قد يمتد إلي مناطق خارج الإطار الواقعي لمنطقة القرن الأفريقي ، إضافة إلي أن منطقة القرن الأفريقي تشمل في ثناياها مجموعة من القبائل والعرقيات الأخرى من الجنس الآسيوي والعرب والهنود ومنطقة آسيا الوسطى، منطقة القرن الأفريقي في جوهرها عبارة عن منطقة تشمل مزيج من الإثنيات العرقية " إختلط الزنوج مع العرب الآسيويين كثيرآ ، وكان للعرب أصل قديم في المنطقة يرجع إلي فترة العصور الوسطى وقبلها(2).

    العنصر الغالب لسكان منطقة القرن الأفريقي هو مزيج من العرقيات الزنجية والعربية والآسيوية، التي تزاوجت وإنصهرت عبر الحقب التاريخية الممتدة من العصور القديمة إلي العصور الوسطي وبعدها ، الاختلافات والتعددية الإثنية ظاهرة طبيعية في مختلف الأمم والشعوب، تكاد لا تخلو منها دول العالم، فالتكوين المتنوع سمة لغلبية الشعوب والمجتمعات الحديثة كل مجتمع يحتوي على أجناس وجماعات مختلفة تتفاعل فيما بينها في نطاق الوحدة السياسية، فالتعددية لها وجود طبيعي في كل مجتمع إنساني، ويكون وجودها أكثر وضوحا عندما تتسع الدولة.

ثانياً : القرن الأفريقي جغرافياً

     هو المنطقة أو المكان الذي يقترن عنده البحر الأحمر مع المحيط الهندي ... ويقع في أراضي الصومال ولكن إستعماله توسع حتي شمل كل الأراضي الجنوبية المجاورة له  ... تبلغ المساحة الكلية حسب التعريف أعلاه (  960 ) الف كيلو متر ، مساحة الصومال 636،541 كم ، جمهورية  جيبوتي 23كم  ، المنطقة الشمالية الشرقية لكينيا تعادل 165 الف كيلو متر مربع أي مايعادل 45% من مساحة كينيا(1) ، بلإضافة للسودان بمساحة مليون ميل مربع .
ثالثاً : القرن الأفريقي سياسياً

       شهدت المنطقة الشمالية الشرقية من قارة أفريقيا الكثير من المصطلحات والمسميات منها ما إستمدا من الطبيعة الجغرافيا للمنطقة ، ومنها ما إستمدا من الخصائص الطبيعية منها ما إرتبط بالإستعمار الاوروبي ، أطلق اللأتينيون اسم أفريقيا علي القارة الافريقية وكذلك استخدم العرب نفس الاسم ثم إستخدم العرب لفظ السٌود بلاد السودان ، يمثل القرن الأفريقي جزءاً من هذه المسميات ، بالرغم من إختلاف العلماء والمفكرين حول منطقة القرن الأفريقي فقد شاع إستخدام ثلاثة مصطلحات سياسية رئيسية تدور حول المنطقة الشمالية الشرقية من قارة أفريقيا هي :

أولاً : أثيوبيا    
     كانت تُعرف باسم الحبشة في فترة العصور الوسطي ثم  أثيوبيا وأكسوم ، تقع في الجانب الشمالي الشرقي لاقارة أفريقيا ، كلمة أثيوبيا كلمة أطلقها قدماء الأغريق علي الجهات الواقعة إلي الجنوب الشرقي من بلاد النوبة ، فكانت البلاد التي تسمي بهذا الاسم غير أثيوبيا الحالية(2) ، لعبت أثيوبيا دوراً مهماً في أفريقيا حتي أصبحت أمبراطورية كبرى توسعت في منطقة القرن الأفريقي ، نالت أثيوبيا إحترام وإهتمام الدول الأوربية  لإعتبارها منبع ومركز للديانة المسيحية في قارة أفريقيا ، أصبح مفهوم المنطقة التي تسمي بالقرن الأفريقي حاليآ في مفهوم بعض الدول الأوروبية يقتصر على أثيوبيا فقط ، جاء إتجاه أثيوبيا بإعتبارها دولة زات نفوذ وبحكم حضارتها وثقلها إلي التوسع وبسط نفوذها " إستولت أثيوبيا علي منطقة الأوغادين الصومالي في منتصف الخمسينيات ، وضمت إليها أريتريا عام 1962 م إنتزعت بريطانيا كل الساحل الكيني الذي كان خاضعآ لسيادة دولة زنجبار لتضمه لكينيا عام 1963 م كذلك إقليم نفذ الصومالي تم ضمه إلي كينيا (1).

ثانياً :  الصومال الكبير

   أصل كلمة الصومال  كلمة مكونة من شقين ( سو ) بحرف السين  تعني  أزهب ، ( مال )  أي أجلب باللغة الصومالية ، أستخدم الأجانب الكلمة بنفس الاسم مع إستبدال حرف الصاد بحرف السين ، أما العرب فيرجعونها إلي كلمة ( زو مال  ) المال عندهم تعني الإبل(2) مصطلح الصومال الكبير هو مصطلح سياسي إستخدمته الإدارة البريطانيا ؛ ليشير إلي المناطق التي تم تقسيمها بين القوى الإستعمارية يشمل المناطق الأتية :

-       جيبوتي (  الصومال  الفرنسي ) .
-       الأوغادين ( الصومال الأثيوبي ) .
-       شمال الصومال  ( الصومال البريطاني ) .
-       كينيا  ( الصومال البريطاني ) .
-       جنوب الصومال ووسطه ( الصومال الإيطالي)(3).

ثالثآ : القرن الأفريقي         

    القرن الأفريقي كذلك هو مصطلح سياسي إستخدمته بعض الدول والمنظمات الإقليمية والدولية  ليدل على الجزء الشمالي الشرقي من قارة أفريقيا ، القرن الافريقي في إطاره السياسي يشمل أثيوبيا ، الصومال ، جيبوتي ، أريتريا ، كوحدات سياسية ، ويدخل السودان وكينيا بإعتبارهما منطقة خلفية للقرن الافريقي(4) تستثني منه مصر دائماً ، والسودان وكينيا  في بعض الحالات  .

       تستخدم المنظمات الإقليمية والدولية ذات التعريف الذي يضم الصومال، أثيوبيا ، أريتريا ، كينيا ، جيبوتي ، أما السودان فقد تم إستبعاده من التعريف، أما مفهوم القرن الأفريقي في الأدبيات الأمريكية فقد وسع من نطاقه ليشمل عشرة دول تمتد من الصومال ، أثيوبيا ، أريتريا ، السودان ، جيبوتي ، كينيا ، رواندا ، بورندي، تنزانيا ، أوغندا ، أطلق عليه اسم القرن الأفريقي العظيم(1).

    أن إشكالية تحديد مفهوم القرن الأفريقي هي وأحدة من الإشكاليات التي تواجه الباحثين والمهتمين ، كما أن الخصائص  الجغرافيا والطبيعية والسياسية والعرقية لمنطقة القرن الافريقي ، والمناطق المحيطة به ؛ علي درجة من التشابه والتماثل ، أن الأسس التي أستخدمت لتحديد مفهوم القرن الأفريقي وحدوده أُسس تتسم بالتغير وعدم الثبات ، من خلال إستعراض وتتبع التطور التاريخي والمفاهيم الأخرى لمنطقة القرن الأفريقي تظهر ثلاثة نتائج :

   أولاً : مفهوم القرن الأفريقي في جوهرة ( مصطلح سياسي ) مرة بعدد من المراحل وأن مرحلته الأخيرة لم تضح بعد .
   ثانياً : دول القرن الافريقي لا تستطيع تحديد إطار القرن الأفريقي وحدوده بسبب أن الحدود السياسية لم يتم الإتفاق عليها فاصبح القرن الأفريقي ( مفهوم غامض ومتغير ) .
  ثالثاً : منطقة القرن الأفريقي في منظور القوى الكبرى هو ( مفهوم إستراتيجي ) يرتبط بالمصالح ، فحيثما إمتدت مصالح القوى الكبرى ، إمتدت حدود القرن الأفريقي .







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق